التخطيط الاقتصادي لأتْمَتَة شؤون الحج والعمرة
الكل يجمع على أن توفر تقنية الحاسب الآلي في عصرنا تعتبر نعمة تستحق شكر الله عليها. كما أنها أصبحت صناعة للاستثمار المحلي والعالمي لكثير من دول العالم. ولقد ثبت من الأرقام التي أصدرتها وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وهيئة الاتصالات أن الاستثمارات تتخطى حاجز المليار ريال, وبحلول عام 2007م سيكون التركيز على البرمجيات التي تستحوذ على أكثر من 70% من استثمارات السوق بالمملكة. من البديهي اتجاه القطاع الخاص للاستثمار في التقنية والاتصالات لعائدها الكبير قياسا بالوقت القصير الذي وعى فيه السوق لحجم عوائدها وسرعة استجابة المجتمع لاقتنائها والتسلح بالمعلومات لمواكبة العالم في تطوره والارتقاء بالمستوى الفكري ومستوى الأداء. وبما أننا نعتبر وبلا شك الأكبر في حجم الاستثمار على مستوى الشرق الأوسط حيث لا تتعدى أي من أسواق المنطقة 50% من حجم سوق المملكة, فإن استقطاب الرساميل المهاجرة لاستثمارات مختلفة والتي تقارب 100 مليار دولار في العام القادم سيضيف إلى هذا القطاع ما يجعله ناتجا محليا وبمؤشرات قياسية عالمية عالية تجتذب آلية الأيدي العاملة السعودية وتستقطب الرساميل الخارجية كشركاء يفيدوننا بخبراتهم وتزيد حركة الاستثمار إلى مستويات تغري مستثمرين أكثر جدية للدخول فيها. على صعيد القطاع العام, من ناحية أخرى لم تحقق هذه التقنية القفزة المتوقعة في ربط الدوائر الحكومية بمركز معلوماتي وطني أو نقل إجراءات العمل من اليدوية إلى الآلية ومن ثم إرساء مفهوم الحكومة الإلكترونية. كما وأنه عندما تحول الاعتماد على الإدارات الفرعية كسبيل للتصحيح من القاعدة للقمة, لم تكن هناك خطة محكمة وواضحة فسُلِكت طرق أكثر وعورة وما زلنا نبحث عن حلول مع العلم بأن الحل بين أيدينا.
إن الحدث الذي نعيشه في هذه الأيام أكبر مثال على ذلك, ففي كل عام تتشرف أجهزة الدولة كلها بخدمة ضيوف الرحمن من خلال الخدمات التي تقدمها في المشاعر, ومكة المكرمة والمدينة المنورة. ولكي تكون الخدمة في مستوى الحدث تقوم هذه القطاعات مع بداية العام بعقد الاجتماعات ومناقشة آليات العمل وتحديد المتطلبات ومن ثم التحرك والتنقل بين المواقع المختلفة, لإعلان الجاهزية. ما زالت تكاليف هذه الإعدادات ولقاءات المسؤولين والإداريين والمنفذين على مدار العام وحركة المعاملات بين المناطق تشكل عبئا يحتاج لقرار جريء لتقليصه ووقف الاستنزاف المالي الكبير. ولا بد من حلول عملية مبنية على دراسات تهدف إلى تخفيض التكاليف واستغلال الطاقات بشكل أفضل وعدم إرهاق الأعداد الكبيرة من المناطق كافة بشكل غير مقنن. من الطبيعي ألا تتوفر جميع إمكانيات القطاع في جهة واحدة لدعم منطقة مكة المكرمة أو المدينة المنورة خلال الموسم, لذلك فكل الفروع الخدمية تعتبر مشاركة في هذا الشرف الكبير, ولكن ليس بتكرار صرف (أكثر من 50 مليون ريال) تقريبا لكل قطاع سنويا. ويتضاعف في بعض القطاعات حسب حجم العمل وانتشار مرافقها وأهمية وجودها.
معظم هذه المبالغ والمصروفات يمكن أن توفََر بتفعيل مركز المعلومات أو مركز الحاسب الآلي في كل قطاع والتركيز على استخدام التقنية بشكل عملي بين مرافق هذه القطاعات في المشاعر وبين مكاتب المسؤولين في الجهاز المركزي أو في المناطق. لقد أصبح الربط عملياً أسهل, وسريع التنفيذ ويمكن العمل عن طريق (Dial Up) إذا لم تتوفر خدمة الاتصال عبر الـ (DDN) أو (DSL) أو (Micowave) أو (Satellite), أو (PLT), كما أنه يمكن استخدام البروتوكول (VoIP), لكن المشكلة تكمن في التخطيط الجيد ومن ثم في كيفية التنفيذ. لموسم الحج يفترض أن تبدأ الأتمتة من استخراج التأشيرات من قبل وزارة الخارجية ومرورا بوزارة الداخلية واستعداداتها الأمنية, ووزارة الحج في إشرافها العام وعلى مؤسسات الطوافة والادلاء, ووزارة الصحة بحضورها المكثف في مستشفياتها ومراكزها الصحية الثمانين أو تزيد, ومراكز جمعية الهلال الأحمر السعودي وإسعافاتها, ورئاسة الحرس الوطني, ووزارة الثقافة والإعلام, ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد... إلخ. هذه ليست كل القطاعات أو الأدوار ولكن بإحدى الآليات السابقة يتم ربط هذه القطاعات كافة عن طريق المركز الوطني للمعلومات والذي سيجعل تواصلهم وعملهم أكثر سهولة ومرونة وسرعة وفائدة. وبعد الانتهاء من أعمال موسم هذا العام يبدأ دور وزارة الاقتصاد والتخطيط بالاطلاع على هذه المعلومات لتضع مع قطاعات الدولة احتياجاتها من ضمن خطة شاملة لمتطلبات موسم الحج في العام التالي وبطريقة تحقق تقنين الصرف وتخفيض التكاليف ويزيد إسهام واستثمار القطاع الخاص في شأن يتكرر منذ 1426 عاما. لقد أصبح للقطاع الخاص دور أيضا في رفع مستوى الخدمات وتحقيق ما لم يتحقق من قبل بعد أن تم تنظيم أداء العمرة على مدار العام.
بقي أن ننوه بأهمية الاستفادة من المرافق وتجهيزاتها على مدار العام لصالح المنطقة في مكة المكرمة والمشاعر, مما يقلل حجم الخسائر ومقدار الهدر السنوي, ويزيد من فاعلية الخدمات العامة مثل الخدمات الصحية وآليات النقل المختلفة وبالتالي تتوسع قاعدة الخدمة في المنطقة بأسلوب اقتصادي جديد. نسال الله أن يتقبل من ضيوفه الحج والعمرة وأن يعيدهم سالمين غانمين, وأن يحفظ لبلدنا الكريم عزته وشموخه في ظل ولاة أمره الراشدين, وأن يشرفنا الله بخدمة ضيوفه أبدا ما حيينا, فهو السميع المجيب وهو الكريم المعين.