رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


تطور تشريعي يواكب مرحلة العضوية

في 11 نوفمبر الجاري دخلت المملكة رسمياً ضمن الدول الأعضاء في منظومة منظمة التجارة العالمية بعد جولات تفاوضية امتدت لنحو اثني عشر عاماً متواصلة فيما سيسري التطبيق قبل نهاية العام الجاري. ووقعت المملكة على بروتوكول الانضمام الذي يشمل الموافقة على تطبيق والتزام جميع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية ما عدا اتفاقية المناقصات الحكومية واتفاقية الطائرات المدنية باعتبارهما من الاتفاقيات الاختيارية.

ولا تشترط مبادئ واتفاقيات المنظمة التطبيع التجاري بين أعضاء المنظمة وفقاً للمادة 13من اتفاقية مراكش لتأسيس منظمة التجارة العالمية التي تسمح لدولة ما بعدم تطبيق الاتفاقية تجاه دولة أخرى شرط إبلاغها عن ذلك قبل موافقة المجلس العام "المؤتمر الوزاري" على الانضمام.. وبذلك تكون السعودية في حل من إقامة أية علاقات تجارية مع دولة إسرائيل. ولكن إلى أي مدى يمكن أن تستفيد المملكة اقتصادياً من عضويتها في هذه المنظمة وما أبرز المكاسب من هذا الانضمام ومتى ستظهر هذه المكاسب على أرض الواقع ويشعر بها المواطن بشكل مباشر؟ وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة لابد أن نلقي فيما يلي بعض الضوء على هذه المنظمة التي قامت في ظل هيمنة النظام الرأسمالي بمبادئه وآلياته.

إن أبرز سمات الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن تتمثل في حركة السلع والخدمات ورأس المال والمعلومات والأيدي العاملة عبر الحدود الوطنية والإقليمية وهي بلا شك مرتبطة بتطور تكنولوجيا الاتصال الذي جعل من هذا العالم قرية صغيرة. وهذه المميزات تتفق مع ما تدعو إليه منظمة التجارة العالمية WTO وتتناسق مع معطيات النظام الدولي الجديد الذي تكون بعد انهيار منظومة دول الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات من القرن الماضي. وعرفت المنظمة بأنها الإطار المؤسسي الموحد لإدارة جميع الاتفاقيات الشاملة لجولات الأورغواي وللنظام التجاري المتعدد الأطراف.
وتشكل الأهداف أحد المرتكزات الأساسية التي تنطلق منها رغبة الدول في هذه المنظمة وذلك لحماية منتجاتها وحماية سوقها المحلية من التوغل الخارجي وحماية صادراتها في أسواق دول العالم المختلفة. وحددت المنظمة أهدافها بإيجاد منتدى للتشاور بين الدول الأعضاء حول المشكلات التي تواجه التجارة العالمية وآليات لفض المنازعات التي تنشأ بينهم إضافة إلى تقديم بعض المساعدات الفنية والمالية للدول الأعضاء بها. وتسعى المنظمة إلى دفع مستوى المعيشة للدول الأعضاء والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية لجميع الدول وبخاصة النامية التي يزيد عدد أعضائها في المنظمة على 75 في المائة وتلك التي تمر بمرحلة انتقالية إلى اقتصاد السوق حيث تمنح المنظمة الدول النامية معاملة تفضيلية خاصة فتعطيها فترات سماح أطول من تلك التي تمنحها للدول المتقدمة بجانب مساعدات تقنية والتزامات أقل تشدداً من غيرها كما تعفيها من بعض أحكام اتفاقيات منظمة التجارة العالمية.
وكما هو معروف فإن الشفافية تلعب دوراً مهماً في تسهيل المعاملات التجارية بين الدول خاصة مع تعدد التشريعات وتنوع القطاعات التجارية والابتكارات لذلك تفرض معظم اتفاقيات المنظمة على الدول الأعضاء إخطار غيرها بالتشريعات التجارية والأنظمة الأخرى والأحكام ذات العلاقة والتأثير في شؤون التجارة الدولية.. وتلعب الاتفاقية الخاصة بمراجعة السياسات التجارية للدول الأعضاء بشكل دوري عاملاً مهماً في هذا المجال فهي تتيح للدول الأعضاء فرصة للاطلاع على النظام التجاري لكل دولة على حدة مع مناقشة جميع جوانبه وإبراز النواحي التي قد تتعارض مع الالتزامات التي تفرضها اتفاقيات المنظمة.
ولهذا كان لا بد من وجود تشريعات قانونية ثابتة وعادلة لقيام مشاريع تجارية ضخمة عبر الحدود.. حيث إن الاستثمار العالمي يعول بشكل كبير على الثبات والاستقرار وهو ما يعبر عنه بـ "توقع المسار".. وتحاول المنظمة تأمين ذلك من خلال إجراءات متعددة منها محاولة إيجاد سقف للتعريفة الجمركية وذلك بإلزام الدول الأعضاء بقواعد معينة في التجارة وتكون معروفة للجميع. أما الصادرات فلن يتم إخضاعها لرسوم مكافحة الإغراق أو الرسوم المضادة إلا بمقتضى الأحكام والتدابير القانونية الواردة في اتفاقيات المنظمة. وسيكون هذا الانفتاح الاقتصادي والتجاري مشجعاً للصناعة السعودية لتكون أكثر قدرة على مواجهة المنافسة الخارجية. أما المواطن أو المستهلك المحلي فسيتمتع بفوائد الأسعار التنافسية وتعدد فرص الاختيار من بين السلع ذات النوعية الجيدة.
ولا شك أن هناك سلبيات ستكون ناتجة من هذه المنافسة وانفتاح السوق السعودية بشكل كامل أبرزها ارتفاع أسعار السلع المحمية بحقوق الملكية الفكرية كبرامج الحاسب الآلي والأدوية وبعض المنتجات الغذائية التي كانت تدعمها الدولة كما سينخفض دخل الدولة من عائد الرسوم الجمركية والتعقيدات التي ستطرأ على التقنية الحديثة من خلال بعض القيود وذلك لشدة المنافسة التي ستواجهها الشركات المنتجة لهذه التقنية.
وأخيراً .. يبقى المحك الحقيقي لانضمام المملكة إلى هذه المنظمة العالمية في المواكبة للتطور الهائل في عالم اليوم الذي يشهد تحولات كبيرة وسريعة.. وسيكون الخاسر الوحيد هو الضعيف العاجز عن اللحاق بهذا الركب. ولا شك أن المملكة ذات الإمكانيات الطبيعية والبشرية والسوق الواسعة ستكون أكثر قدرة على ملاءمة أوضاعها الاقتصادية بما يتناسب والتغيرات العالمية بهدف تحقيق مصالحها والحفاظ على مكتسباتها الوطنية في هذا الزخم العالمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي