رسالة إلى القمة الإسلامية
تتجه الأنظار ابتداء من الغد الأربعاء صوب مكة المكرمة حيث تلتئم على صعيدها الطاهر وفي إطلالة على الكعبة المشرفة القمة الإسلامية الاستثنائية التي كان قد دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ما يشد الأنظار لهذه القمة هو أنها تعقد في ظل ظروف ومتغيرات دولية أفرزت وما زالت تفرز أحداثاً كان فيها العالم الإسلامي وما زال في عين العاصفة، وانعقادها بصفة استثنائية يعني أنها سوف تناقش قضايا استثنائية وهو ما يستتبع أن تصدر أيضا قرارات وتتخذ مواقف استثنائية، وهذا هو المؤمل خصوصاً وأن قادة الدول الإسلامية لا بد أن يكونوا مستشعرين ما تحتاج إليه الأمة في هذه المرحلة من إعادة صياغة حيويتها وبناء مؤسساتها حتى يكون حضورها مفعلاً وفاعلا في عالم تدرس فيه القوى الضعيفة لتصبح ضحية للهيمنة والوصاية باسم التحرير تارة وإقامة الديمقراطية تارة أخرى تحت مظلات مصطنعة ورديئة.
القضية الأكثر وضوحاً أن الأمة الإسلامية تواجه فعلا تحديا حضاريا مهما وبالغ الحساسية، ومطلوب منها أن تكون على قدر هذا التحدي وهي تملك كل مقوماته، فهذه الأمة وإن كانت تعيش اليوم خارج الفعل وعلى هامش الأحداث مع أنها أصبحت هدفا فيما سمي صراع الحضارات والثقافات، إلا أن لها إرثاً حضاريا جعل منها أحد مصادر التطور الحضاري الإنساني وجزءاً مهما في منظومة الحضارات التي تراكمت خبراتها وإنجازاتها والتي تكونت منها حضارة العصر الحالي. والتميز الحضاري للأمة الإسلامية هو في أنها ذات بعد أخلاقي مستمد من عقيدة دينية. وهو ما يعطيها اختلافا جوهريا عن حضارة الإنتاج للاستهلاك وما تفرزه من نزعات إمبريالية هي التي تقود إلى صراعات تشبه صراعات القرون الوسطى التي لا تضيف للحياة الإنسانية قيماً أخلاقية، وهذا هو الذي أفرز نظريات سادية مثل نظرية صدام الحضارات وما أدت إليه من تأجيج الصراعات تحت مظلة شرعية دولية مختلة المعايير هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عن نشوء ظواهر سلبية مثل ظاهرة الإرهاب.
إن التحدي الذي يفرض نفسه على الأمة اليوم يستدعي أن تضع القمة استراتيجية لخوض غمار هذا التحدي، وهذا لن يكون إلا من خلال تفعيل دور آلية العمل الإسلامي وإحياء فعلي لتضامن إسلامي وذلك عبر إعادة تشكيل البيت الإسلامي من الداخل، فالتحدي الأول والمحك الرئيسي لذلك هو في صياغة جديدة للمنظومة الإسلامية بحيث تنقل الأمة من مجموعة دول لا تأثير لها إلى كتلة لها معالم واضحة عبر التزام كافة أعضائها بأطرها ومتطلباتها، فعالم اليوم هو عالم القوى الفاعلة والقادرة على التجمع وإثبات الوجود، وما يعطي الأمل ويبشر بالخير أن القمة تعقد هذه المرة على ركيزتين مهمتين، الأولى أنه على رأس بنودها إعادة هيكلة منظمة المؤتمر الإسلامي بما يؤمن دوراً أكثر فاعلية ويدفع بها لأن تكون منظمة ذات بعد استراتيجي، وما نتمناه ألا تعوق أي دولة إسلامية مثل هذه الهيكلة تحت ضغط التزامات دولية، والثانية أن القمة سوف تسترشد في عملها على فكر مائة من علماء ومفكري الأمة الذين صاغوا رؤية مستقبلية واستراتيجية للعمل الإسلامي.
التحدي الذي يواجه الأمة والقمة معا ليس قاصرا على إصلاح وترميم البيت الإسلامي من الداخل، فالأمة والقمة مطالبتان بمواجهة تحديات آنية لا تنتظر ولا تفوت على وقع الأحداث المتلاحقة التي يشهدها العالم اليوم، ويمكن إجمالها في عدة محاور، المحور الأول هو إبراز الوجه الإنساني للإسلام، لنقول للعالم إن الأمة الإسلامية ليست جزءاً من صراع بقدر ما هي جزء من وفاق وتعايش، والثاني تفنيد ما تتعرض له الأمة من تهجم واتهام لها بالإرهاب، فالإرهاب مرفوض بكل أشكاله ولا يتوافق مع روح التسامح الإسلامي، وإن وصف الإرهاب بأنه صناعة إسلامية تجن وتعد في آن واحد، فالإرهاب في حقيقة الأمر هو صناعة دولية وانعكاس لاختلال معايير الشرعية الدولية مع قضايا الشعوب الإسلامية، فهو رد فعل وليس فعلا إسلاميا أو غير إسلامي، ومحاربة ظاهرة الإرهاب تبدأ أولاً من العمل دوليا وفق معايير عادلة وموضوعية ومحايدة، والثالث هو في مراجعة عمل ما يسمى الشرعية الدولية ورفض اختطافها وتحويلها كأداة لقوى محددة تسيطر وتهيمن على القرار الدولي، خصوصا وأن أكثر المتضررين من ذلك هو العالم الإسلامي الذي تتعرض دوله وشعوبه للتهديد والعدوان والسلب والنهب كما في فلسطين والعراق وأفغانستان وسورية وغيرها، والرابع أن تطالب الأمة الإسلامية باعتذار دولي جراء ما تعرضت له أثناء حقبة الاستعمار من نهب وسلب لثرواتها وما تركته من تخلف وتأخر بين شعوبها وإغراقها في صراعات، هذه هي التحديات الآنية التي على الأمة والقمة أن تواجها لإعلان صريح بقيام عالم إسلامي جديد.
حقيقة الأمر أن المحك الحقيقي لجدية وفاعلية هذه القمة الاستثنائية هو في نوعية القرارات التي سوف تخرج بها، فالقمة مطالبة، حتى تكون على مستوى الآمال والطموحات، بألا تكتفي بقرارات إنشائية خالية من الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الدول الإسلامية، وهناك كثير من القضايا التي لا قيمة لأي قرار حيالها إذا لم يكن له وجه عملي، فمن المؤكد مثلا أن تكون القضية الفلسطينية على رأس هذه القضايا التي سوف تناقش وتكون ضمن البيان، فإن رددت نفس العبارات المستهلكة التي تدين وتشجب وتستنكر دون اتخاذ قرار إسلامي ملزم بدرجة إلزام الفصل السابع المستخدم حالياً في مجلس الأمن بمثابة العصا ضد الدول التي يراد إخضاعها بقانون القوة، بالتزام جميع الدول الإسلامية بالامتناع عن كل أشكال التطبيع العلني والمستتر مع الكيان الصهيوني إلا بعد استعادة الحقوق الفلسطينية بدولة مستقلة وعاصمتها القدس، فلن يكون لأي عبارات مهما علت نبرتها أي قيمة أو تأثير لأن الجميع سوف يدرك أنها لا تتعدى كونها ظاهرة صوتية ليس إلا.
إن الأمة في حالة إحباط، ولعل هذه القمة هي بداية الصحوة الإسلامية، ولعلها أيضاً الفرصة الأخيرة لأمة تخوض في عالم من الصراع متعدد الجوانب، فإما أن تعوم بأذرعها وجهدها وإما أن تغرق وعنده يصح عليها قول "أكلت يوم أكل الثور الأبيض".