أيهما أهم التغيرات الوزارية أم التغير لأنظمة وهياكل الوزارات
من المنطقي أن تعيد بعض الدول حساباتها وطريقة التأقلم مع الوضع الجديد وعصر التنافس والتحديات العالمية بين الدول. وخاصة الصغيرة منها والتي تسبح في خضم فرد العضلات بين الدول الكبرى وتهديدها أو سيطرتها على اقتصادياتها أو بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية والذي سيتطلب منا جهداَ جباراّ ومستمراَ لفرض اشتراطاتنا ومفاوضاتنا وإلا فالبقاء للأقوى والأفضل. وهو ما دأبت عليه قيادتنا الحكيمة باستيحاء التخطيط المتبع في العالم المتقدم لوضع سياسات التخطيط الوطني والذي بدأ منذ سنوات بوضع الخطط الخمسية للتنمية وهي خطوات لا غبار عليها وأدت إلى بعض النتائج والأهداف المنشودة منها. حيث إن تلك الخطط كانت تنوء بثقل الأجهزة الإدارية المترهلة وأنظمتها غير المؤهلة للتنفيذ والتمشي مع تلك الخطط. حيث إن معظم الأنظمة تم نقلها أو اقتباسها من أنظمة بعض الدول الشقيقة والتي تخرج منها أول فوج من الوزراء والذين كانت تستقبلهم الدولة كوزراء بغض النظر عن مستوى تأهيلهم. وفي وقت يندر فيه وجود متعلمين أو من يفكون الخط. وهؤلاء أخذو تلك القوانين على علاتها وأحيانا كانت نسخا مصورة عدل فيها اسم الدولة الشقيقة إلى اسم المملكة فقط دون معرفة إذا كانت تناسب مجتمعنا أم لا. وهي أدت دورها في وقت كان الجود من الموجود.
وإحساساً من الدولة بهذه المعضلة وعدم قدرة بعض الوزراء على تحديث الأنظمة لمجابهة التحدي العالمي فقد بدأت الدولة في خطوات بناءة لتغير بعض مقاعد الوزراء بأمل التخلص من البيرقراطية القديمة وتحديث الأنظمة وتفعيلها. وتقليص تكاليف بعض الأجهزة الحكومية المتكاهلة والمترهلة والتي تثقل كاحلها. والتوجه إلى إيجاد أنظمة مرنة تديرها كوادر وطنية مشهود لها بالخبرة والتميز مهنياً، يديرها جهاز وظيفي وتشغيلي أصغر. وبحيث لا يتأثر بمركزية القرار والروتين والوراثة بالأقدمية أو التبعية بدلا من الأحقية الإنتاجية أو العملية والعلمية.
ولكن الملاحظ أن التغير للوزير فقط يقوى سلطة ونفوذ منهم تحته مثل وكلاء الوزارات والمديرين، حيث إن البقاء لهم أو للأسوأ كما يقال. فالوزير حسب النظام يمكن تغيره كل أربع سنوات ولكن بقية الوظائف القيادية تبقى لينام عليها بعض المسؤولين وأقاربهم منذ عشرات السنين وكأنهم ورثوها. أو يحتلها بالأقدمية موظفون دخلوا السلك الوظيفي دون مؤهلات وكل ما يشفع لهم الأقدمية أو اعتمادهم على بعض الأجانب من الوافدين ليقوموا بأعمالهم.. فلماذا نناقض أنفسنا. وإذا كنا نؤمن بأن خطة الدولة في التعليم والابتعاث قد أخرجت ثمارها من الكفاءات الوطنية فأين هؤلاء. التغير دائماً مطلوب والاستفادة من الخبرات والكوادر الحديثة التي استثمرت فيها الدولة بالابتعاث والتعليم قد تؤدي ثمارها، حيث حان الأوان لأبنائنا أن يردوا الجميل إلى أهلهم وان يساهموا لبناء مستقبل واعد لهم ولأبنائهم. على أن يتم عمل الامتحانات والمقابلات التأهيلية لانتقائها للتأكد من مناسبتها وقدرتها على إدارة دفة الإدارة والتنمية بدلاَ من المجاملة القبلية والمحسوبية فوق المصلحة العامة الدولة.
كما نلاحظ إن التغير أحيانا للوزير لا يغير شيئاَ من الموضوع، فألانظمة والقوانين هي كما كانت منذ 50 عاما. حتى إن معظم الدول الشقيقة غيرت تلك الأنظمة عشرات المرات ونحن ما زلنا نعاني من قدم وعجز أنظمتنا. ويأتي في مقدمتها الأنظمة التي تتعلق بالعمل والعمال والتأمينات الاجتماعية ونظام التقاعد والزكاة والدخل. فهي أحيانا فيها ازدواجية أو تتضارب مع بعضها البعض وباشتراطات تعجيزية ودون وجود أي تنسيق. وهي أنظمة يندر أن ينظر فيها المسؤولين وأن حصل تغير ولو لسطرين خلال عشر سنوات، فإنه يعتبر إنجازا يحتفل به وترصد للقائمين عليها مكافآت مع أنها في صميم عملهم اليومي.
ومن جهة أخرى فإن هناك تغيبا لوجود التخطيط والتنسيق بين تلك الهيئات والوزارات المختلفة لمحاولة تطوير وتحديث الأنظمة وتبادل المعلومات لحصول على قاعدة مركزية قوية ونظام متكامل ومترابط لجميع تلك الأنظمة ويضم الحلقات المتصلة سواءً السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية ببعضها البعض ويضمن عدم تضارب أو ازدواجية قراراتها. حيث إن هذه الأنظمة وإن اختلفت في تخصصاتها إلا أنها مرتبطة في تأثيراتها وأن أي تغير في أحدها يترك سلبياته وإيجابياته على الآخر. مع ضرورة التأكيد على أهمية الربط بين الأجهزة التشريعية والتنفيذية وأن ما يشرعه الجهاز الأول يجب أن ينظمه ويتأكد من تنفيذه الجهاز الآخر وأن يتابع ردود فعله وإيجابياته أو سلبياته الاجتماعية والاقتصادية. وأن يتم التنسيق بين هذه الأجهزة لرسم سياسات مستقبلية مبنية على أسس ومتغيرات داخلية وخارجية وفق احتمالات وتوقعات مستقبلية ومحاولة التنبوء بالتأثيرات المستقبلية وكيفية تجنبها للنهوض بالناتج الوطني. وأن يكون هناك عملية تغذية FEED BACK للأنظمة المعنية مرة أخرى.
وهذا الأمر مرتبط كما أشرت في مقالات سابقة عن غياب النظام الوطني المتكامل الذي هو العمود الفقري للدولة والذي يربط جميع الأنظمة وعملية التوحيد القياسي للأنظمة والمعلوماتية الحكومية في شبكة وقاعدة معلومات موحدة وربطها معلوماتياً بواسطة شبكات الحاسوب. وبحيث يكون هناك توحيد للنماذج والاستمارات الاستبيانية لربط المعلومات الوطنية ببعضها بطريقة أتوماتيكية، بحيث تكون طريقة إدخال المعلومة موحدة في كل جهة حكومية. ويتم ذلك بواسطة البطاقات الشخصية الممغنطة لكل مواطن.لتمكن كل جهة حكومية من تمريرها على حساسات حاسوبية لمعرفة أية معلومات عن المواطن بدلاً من إرهاق الجميع بطلب صور منها مما يساعد على التخلص من إرشيفات ومخازن الأوراق التي تحتل مساحات كبيرة من المباني الحكومية.
لقد آن الأوان أن نؤكد على نجاح خطة الابتعاث بتوظيف الكفاءات الوطنية القيادية المناسبة والمؤهلة والتي تكلفت الدولة الكثير في سبيل ابتعاثهم وتحصيلهم العلمي. وذلك بعد أن يتم عمل الامتحانات والمقابلات التأهيلية لانتقائهم والتأكد من مناسبتهم وقدرتهم على إدارة دفة الإدارة والتنمية بدلاَ من المجاملة فوق المصلحة العامة الدولة. وأن يتم النظر في تغير الحقيبة الوزارية بأكملها كما هو متبع في الدول المتقدمة. وأن يتم وبطريقة تدريجية تحديث أو استبدال الأنظمة القديمة والتي كان أساسها موروث بعض الدول الشقيقة والتي وهبها إياه الاستعمار. في وقت لم تكن لدينا القدرات الوطنية الطموحة. وذلك للتحول إلى نظام عالمي منافس وقادر على مواجهة إفرازات العصر العالمي الحديث.