ما حدث في أسواق الأسهم الخليجية انهيار وليس تصحيحا

ما حدث في أسواق الأسهم الخليجية انهيار وليس تصحيحا

اعتبر رجل الأعمال الإماراتي طلال خوري رئيس مجلس إدارة شركة "الأوائل جروب" مدير عام شركة "الرمز للوساطة المالية" عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة أبو ظبي، أن التراجع الحاد في أسواق الأسهم الإماراتية وبعض الأسواق الخليجية انهيار وليس عملية تصيح مؤلمة. وأرجع خوري في حوار مع "الاقتصادية" السبب الحقيقي لهذا الانهيار إلى غياب الثقافة الاستثمارية لدى معظم المستثمرين خاصة صغارهم، إضافة إلى الاكتتابات الجديدة وزيادات رأس المال التي أقرتها شركات كثيرة، في فترات متقاربة، الأمر الذي سحب معظم السيولة من السوق، مشيرا إلى أن أسعار الأسهم لا تستجيب إلا للأخبار التي تؤدي إلى تغيير التوقعات، أما الأخبار التي تأتي ضمن إطار التوقعات فإنها لا تؤثر في الأسعار. هنا نص الحوار:

يعتبر البعض ما حدث في سوق الأسهم الإماراتية أخيرا من هبوط حاد ليس مجرد تصحيح سعري بل انهيار. هل تعتقدون بصحة ذلك؟
هو انهيار بدليل أن الخسائر بعشرات المليارات وأكثر من نصف المستثمرين فقدوا مدخراتهم وخرجوا من السوق نتيجة ذلك. هذه مؤشرات على انهيار حقيقي وليس مجرد عملية تصحيح مؤلمة.

ما الأسباب الحقيقية وراء التراجع الحاد والخطير في أسعار الأسهم؟
يرجع ذلك لعدة أسباب منها أن الكثير سعى إلى تسييل الأموال للدخول في الاكتتاب الجديدة التي جاء توقيتها غير مناسب، كما أن عدد الشركات التي طرحت للاكتتاب كبير أيضا خاصة في الربع الأول من العام. المنطق يقول أن ارتفاع سعر الأسهم أو انخفاضها يتوقف على مستوى أداء الشركات، كما يتضح من أرباحها ووضعها المالي واحتمالات النمو فيها. وكذلك أداء القطاع الذي تنتمي إليه - ازدهارا أو كسادا، والوضع الاقتصادي للدولة –انتعاشا أو ركودا، ما حدث في سوق الأسهم بعيد عن كل هذه الحسابات المنطقية.

الكل يتنصل من المسؤولية عمليا ويتقاذف التهم، صغار المستثمرين يحملون مسؤولية ما حدث للمحافظ الاستثمارية والمحافظ ترد التهمة وترى أن السبب خوف صغار المستثمرين واندفاعهم باتجاه البيع بأي سعر من المسؤول الحقيقي في رأيك؟
المسؤول الحقيقي وراء ذلك هو غياب الثقافة الاستثمارية لدى الكثير من المستثمرين في سوق الأسهم، والبعض اعتبر الاستثمار في الأسهم عملية مضاربة بحتة مدفوعين برغبة جامحة لتحقيق الربح السريع.

ما السبيل لإعادة السيولة إلى الأسواق المالية؟
أهم خطوة يجب إعادة النظر فيها هي علاوات الإصدار التي تتم بها زيادات رأس المال للشركات القديمة. وفي رأيي يجب منعها كليا، فالشركات تتنافس فيما بينها في زيادات رأس المال وهو لا يخدم سوى أصحاب المصالح ولها آثار جانبية سلبية على مستويات السيولة المتوافرة في الأسواق. وكذلك يجب تنسيق وتنظيم عمليات الاكتتابات للشركات الجديدة وهذا الدور منوط بوزارة الاقتصاد وهيئة الأوراق المالية والسوقين. وقمنا أخيرا في غرفة تجارة أبو ظبي بتشكيل لجنة لدراسة هذا الأمر لما له من تأثيرات سلبية في أسواقنا المالية.

كيف تنظرون إلى قرار رفع سقف التمويل البنكي للأسهم إلى 80 في المائة وتأثيره على توافر السيولة في الأسواق؟
في رأيي هذا ليس حلا، إنما هو علاج مؤقت، وكان المفروض أن يتم سؤال الشركات التي دخلت السوق وأخذت السيولة في صورة اكتتابات أو زيادة رأس المال عن إنجازاتها، وما مراكزها المالية الحقيقية؟ أما ترك الأمر دون تنظيم، يتحمل نتائجه وانعكاساته السلبية للأسف المستثمر عند أي تدهور أو تراجع في الأسواق.

ما الدافع وراء عمليات البيع التي شهدتها السوق أخيرا؟
عمليات البيع التي شهدتها السوق أخيرا كانت بدافع الخوف الذي سيطر على المتعاملين نتيجة اضطرار غالبيتهم إلى البيع على مستويات متدنية لمواجهة التزاماتهم للبنوك. وخرج من السوق نحو 55 في المائة من صغار المستثمرين منذ بداية العام الجاري بعدما فقدوا جميع مدخراتهم، إضافة إلى مطالبات البنوك ومكاتب الوساطة لهم بدفع ما ترتب عليهم من مبالغ على المكشوف. وأطالب هنا المصرف المركزي بوضع حد للمخالفات التي ترتكبها البنوك بإعطاء التسهيلات للاكتتابات الجديدة. فتكلفة بعض الأسهم تتجاوز ستة دراهم، فيما لا تتجاوز قيمتها الاسمية ثلاثة دراهم. ما يعني أن البنوك هي المستفيد الأول من هذه الاكتتابات وليس المساهمين.
وأشير هنا إلى أن بعض المضاربين استغل وسائل الإعلام خاصة الصحف لتوجيه السوق لمصلحتهم الخاصة عبر تقديم توقعات لأسعار الأسهم دون الاستناد إلى تحليلات مالية موضوعية. ولا ننسى أن حساسية سوق الأسهم في الإمارات وفي كل المنطقة مفرطة تجاه أي معلومة أو خبر، لذلك الدقة مطلوبة وضرورية سواء في إيراد المعلومة أو في توجيه التحليل .

ما رأيك في الإجراءات التي اتخذت أخيرا بعد تدخل الجهات المعنية لوقف نزيف الأسهم؟
الإجراءات التي اتخذتها وزارة الاقتصاد وهيئة سوق المال والسلع هي من الأمور الضرورية حتى يشعر المستثمر أن هناك أدوات من السوق وجهات يمكنها أن تتدخل لتصحيح الخلل الذي يحدث بين فترة وأخرى.

لماذا كان تجاوب الأسواق مع الإجراءات والقرارات تجاوبا خجولا، البعض يقول لأن المستثمرين فقدوا الثقة بالقرارات التي تصدر ولا تنفذ؟
تجاوب الأسواق مع القرارات لم يكن بالصورة المرضية للبعض خاصة أن المستثمرين كانوا في حالة تضارب فكري ونفسي والكل يأخذ قرارات الشراء والبيع حسب أحواله المادية ولا يفكر في هذه القرارات.

في رأيكم ما الأثر الذي خلفته الاكتتابات والإصدارات الجديدة في أسواق المال؟
هي بلا شك سحبت مبالغ كبيرة من الأسواق مما أثر على حركة التداول وتدافع الكثير في عمليات البيع المحمومة التي لا تقابلها علميات شراء مما كان له الأثر السيئ على حركة تداول الأسهم.

يطالب البعض بوقف الإصدارات الجديدة الخاصة والعامة وقفا تاما لمدة عامين على الأقل، وكذلك وقف أو منع الزيادة في رؤوس أموال الشركات، ما رأيكم في هذا الطرح؟
رأينا أنه ليس شرطا لازما الوقف المطلق لمدة عامين بل تنظيم واختيار الأوقات المناسبة والمتفاوتة لهذه الإصدارات أو الزيادة في رساميل الشركات، ويجب أن يعلم بها المستثمر قبل وقت كاف كما يجب ألا يكون هناك أكثر من شركة تعلن عن زيادة رأس المال في الشهر.

هل تؤيدون التدخل المباشر للحكومة في القطاعات الاقتصادية ومنها سوق الأسهم إذا دعت الحاجة لذلك - أقصد تدخل عند الضرورة؟
التدخل عند الضرورة مطلوب في السعودية ومصر والكويت، وكذلك الإمارات تدخلت الحكومة لمنع انهيار السوق وكان لهذه القرارات أثرها في إعادة الثقة إلى المستثمر وإن كان بالقدر القليل.

هل تعتقدون أن ربط حصول الشركات الجديدة التي هي في طور التأسيس على الترخيص بموافقة المجلس التنفيذ سيسهم في ضبط الإصدارات الجديدة وتنظيمها؟
نحن في انتظار النتائج التي سيسفر عنها هذا الإجراء إن كان ذلك في مصلحة الشركات فله منا كل تأييد ونحن سوف نكون مع هذا القرار.

الملاحظ أن نزيف الأسهم الحاد لم يقتصر على الإمارات بل شمل معظم أسواق الخليج خاصة في السعودية والكويت، ما الرابط بين هذه الأسواق؟
بالفعل لم يقتصر الانهيار على الإمارات بل شمل السعودية والكويت وغيرهما. وقد يرجع ذلك كما قلت إلى رغبة المستثمرين في تسييل أموالهم للدخول في اكتتابات جديدة. فالأوضاع والظروف الاقتصادية والاستثمارية متشابهة، لذلك الانخفاض الحاد في أسعار الأسهم الذي وصل حد الانهيار انتشر كالعدوى في معظم أسواق الخليج.

في تقديركم إلى متى سيستمر نزيف الأسهم ، متى تتوقعون أن تتماسك السوق ثانية وتواصل صعودها؟
السوق متماسكة قليلا الآن وفي تقديرنا أن هناك شركات حققت أرباحا على أسهمها، وكذلك أسهم ارتفعت قيمتها وحقق المستثمر منها أرباحا معقولة نسبيا في الفترة السابقة. وهذا مؤشر إيجابي على تعافي السوق التدريجي.

يجمع الكل على أن الفترة الراهنة مناسبة جدا لشراء الأسهم، هل أنتم مع هذا الرأي؟
المسألة متروكة للعرض والطلب، وكذلك إلى قرار المستثمر نفسه ومدى اقتناعه بأداء وقوة الشركة التي يرغب في شراء أسهمها. هناك اعتبارات كثيرة مرتبطة بقرار الشراء ولا يجوز أن يكون قرار الشراء ارتجاليا أو مستندا إلى مؤشر واحد يمكن وصفه بالآني أو المؤقت. وهذا لا يعني عدم اغتنام الفرص الاستثمارية السانحة والمتاحة في فترة معينة دون أخرى، لكن المهم أن يتم ذلك وفق معطيات مؤكدة وسليمة ذات مصداقية.

بماذا تنصحون صغار المستثمرين في هذه الفترة العصيبة عليهم؟
ننصح المستثمر الصغير بالرجوع إلى أهل الخبرة في هذا المجال وعدم الاهتمام بالشائعات. ويجب أن يأخذ قراره على أساس واقعي أمام شاشة التداول والتقارير التي تصدرها الهيئة والسوق عن حركة وحجم التداول اليومي. وإذا لم يكن لدى المستثمر خبرة كافية للاستثمار في سوق الأسهم يمكنه الاستثمار في الصناديق أو المحافظ الاستثمارية بعد دراسة أدائها وسياستها، لأن لديها كفاءات مؤهلة لإدارة الأموال، ولأنها تتميز بتنويع الاستثمارات وتقليل المخاطر. وبالنسبة للمستثمر بشكل عام (الكبار والصغار) ليس المهم متابعة التذبذب اليومي للأسعار فقط ، الأهم هو التركيز على الاتجاه العام لمؤشر السوق والسهم على المدى البعيد.
وعلى المستثمر ألا ينزلق وراء عواطفه وإحساسه الداخلي فيتجه للبيع مدفوعا بالخوف من انخفاض الأسعار في حالة دورة الهبوط، أو يشتري من منطلق تمني استمرار انتعاش السعر في حالة دورة الصعود. القرار يتخذ اعتمادا على العقل وفق معطيات منطقية دقيقة، واضحة، لا لبس فيها.

هناك شبه إجمـاع بأن سوق الأسهم سحبت السيولة من الأسـواق وتسببت في ركود القطـاعات الأخرى كيف تنظرون إلى هذا الأمـر؟
قد يكون ذلك صحيحا على صعيد الأفراد لرغبتهم في تحقيق ربح سريع أما الشركات فهي تنوع الأنشطة الاستثمارية لديها ولا تعتمد بشكل أساسي على الأسهم، بل هي تنوع استثماراتها في الأسهم والعقارات والصناعة والتجارة وغيرها من الأنشطة وتملك الكثير من الخبرات في السوق، مما يمكنها من اختيار أوقات الدخول لسوق الأسهم .

البعض يقول إن عام 2005 كان عاما ذهبيا واستثنائيا بالنسبة لسوق الأسهم وإنه لن يتكرر ثانية هل أنتم مع هذا الرأي؟
إن ما حدث في نهاية عام 2005 في سوق الإمارات للأوراق المالية يجب أن يكون أحد الدروس المهمة لفهم السوق، فأسعار الأسهم لا تستجيب إلا للأخبار التي تؤدي إلى تغيير التوقعات. أما الأخبار التي تأتي ضمن إطار التوقعات فإنها لا تؤثر في الأسعار، وما حدث قد يتكرر أو لن تتكرر فذلك متروك للعرض والطلب والتحليلات الصادقة والابتعاد عن الإشاعات. علما أن أسعار الأسهم لا يمكن أن تستمر في الارتفاع إلى ما لانهاية، كما أنها لا يمكن أن تظل منخفضة لمدد طويلة، دورات الصعود يتبعها عادة دورات هبوط.

الأكثر قراءة