"السعودية" والتذاكر الإلكترونية وربحية قطاع الطيران الداخلي!

تعتزم ''السعودية'' نهاية العام الحالي استبدال التذاكر الإلكترونية بالتذاكر الورقية لرحلاتها المحلية في خطوة تهدف إلى تحويل نشاط مبيعات التذاكر المحلية إلى وحدة استراتيجية. يأتي ذلك ضمن سلسلة من الإجراءات لإعادة الهيكلة المالية والتشغيلية لتحويل الوحدات غير الأساسية إلى وحدات استراتيجية. بدأت السلسلة بالتموين مروراً بالمناولة الأرضية والصيانة وإدارة المواد والشحن وأخيرا وليس آخرا مبيعات التذاكر.
انعكاسات قرار "السعودية" لن تنحصر في أروقتها، ولكن سوف تتخطاها مغيرة آلية المنافسة في قطاع الطيران الداخلي "القطاع". علاقة "السعودية" مع وكالات السفر والمسافرين ما زالت بحاجة إلى توثيق أكثر فعالية.
فالقطاع في هيئته الحالية يتكون من هيئة الطيران المدني "الهيئة" كمراقب ومشرف على المطارات المدنية والأجواء الجوية، و''السعودية'' كمزودة لخدمة السفر الداخلي، ونحو 300 وكالة سفر كوسطاء تجاريين بين ''السعودية'' وما معدله سبعة ملايين مسافر سنويا عبر 25 مطارا داخليا.
ترتبط ''السعودية'' بعلاقة استراتيجية مع "الهيئة" تتمثل في استخدام المرافق الأرضية مقابل هامش ربح مزدوج، وأخرى تجارية مع وكالات السفر مقابل هامش ربح مقدر بـ 10 في المائة تحصل عليه من بيع نحو 80 في المائة من التذاكر الورقية.
علاقة "السعودية" بوكالات السفر تحتاج إلى توثيق أكثر فعالية. فوكالات السفر تراوح بين كبيرة تشكل قرابة 6 في المائة من مجموع الوكالات العاملة وتسيطر على جزء كبير من السوق ومتوسطة وصغيرة تتقاسم الجزء المتبقي. وعلى الرغم من أن دور الوكالات لم يعد مقتصراً على مبيعات التذاكر، إلا أن كثيرا منها، خاصة الصغيرة، تواجه تحدي الديون المعدومة التي تعوقها بالتالي عن تنويع مصادر دخلها، وتقليل الاعتماد على نسبة هامش الربح المقدر بـ 10 في المائة.
وبالتالي فإنه يجب على وكالات السفر للاستفادة من خدمة التذاكر الإلكترونية استحداث أساليب تشغيلية لمواجهة تحدي الديون المعدومة من جهة، ومواكبة التطور التقني وتحسين جاهزيتها المعلوماتية e-readiness في القطاع من جهة أخرى. و''السعودية'' كذلك، يجب عليها ألا تهمل الأهداف الاقتصادية لوكالات السفر عند تحويل نشاط مبيعات التذاكر المحلية إلى وحدة استراتيجية.
علاقة "السعودية" بالمسافرين تحتاج أيضا إلى توثيق أكثر فعالية. إن مما لا شك فيه حرص ''السعودية'' على توثيق هذه العلاقة منذ مطلع العام الماضي, حيث قامت بطرح سلسلة من الخدمات الجديدة شملت تطوير خدمات الحجز الموحد، والحجز عبر الإنترنت، ونظام الدفع الإلكتروني لشراء التذاكر، ورسائل SMS، ونظام التفاعل الصوتي، والخدمة الذاتية لإصدار بطاقات صعود الطائرة في المطارات الرئيسية.
هذه الخدمات، واستنادا إلى إحصائيات "الهيئة"، موجهة لخدمة نحو ما معدله 6.2 مليون مسافر سنويا عبر الرحلات الداخلية. وبافتراض أن نسبة زيادة حركة المسافرين في الداخل ستستمر على ما هي علية الآن ( 3.6 في المائة) نستطيع القول إن حركة مسافري الداخل ستزداد إلى 8.6 مليون مسافر بحلول عام 1430هـ و9.9 مليون مسافر بحلول عام 1435هـ.
ولكن، هذه الخدمات الجديدة استقطبت شريحة أقل بكثير من المتوقع. فاستنادا إلى بعض الإحصائيات لخدمتي الحجز عبر الإنترنت والدفع الإلكتروني لشراء التذاكر، مع الأخذ في عين الاعتبار أن خدمة الحجز عبر الإنترنت لا تتوافر فيها كما هو معلوم إلى هذه اللحظة خدمة إصدار التذاكر الإلكترونية. تشير إحصائيات شركات مراقبة مرور الإنترنت web traffic إلى أن 83 في المائة من زوار موقع ''السعودية'' اطلعوا على أو قاموا بإجراء حجوزاتهم عبر الموقع، والنسبة الباقية اطلعوا على خدمات المواقع الأخرى كالجدول الزمني للرحلات والعروض السياحية.
تثير هذه النسب الدهشة للوهلة الأولى ولكنها تتلاشي سريعا إذا علمنا أن نسبة عدد زوار الموقع إلى جميع مواقع الإنترنت نحو 0.011 في المائة. أما من ناحية خدمة الدفع الإلكتروني لشراء التذاكر، فإن الموقع يقتصر فقط على نوعين من طرق الدفع: بطاقة الائتمان وبطاقة مجموعة سامبا المالية للإنترنت.
لعل أحد أهم الأسباب لتدني استخدام خدمة الحجز عبر موقع ''السعودية'' على الإنترنت هو عدم وجود اختلاف في سعر تذكرة السفر الداخلي عن تلك الموجودة في منافذ البيع التقليدية. وبالتالي فـإن ''السعودية'' مطالبة بإعادة النظر في تسعيرة تذاكر الطيران الداخلية وتنفيذ درجة الأسعار المختلفة التي عمل بها أخيرا في تسعير بعض الرحلات الدولية والمبنية على وقت شراء التذكرة.
بناء على ما تقدم، أقول إن ''السعودية''، كباقي شركات الطيران الدولية، تواجه زيادة مستمرة في حجم التكلفة التشغيلية لقنوات التشغيل التي تشمل هامش ربح وكالات السفر والسياحة، ومصروفات التسويق والمبيعات، ومخصصات الموظفين وتكاليف استخدام أجهزة الحجز المركزية الدولية.
وإدخال خدمة التذاكر الإلكترونية يأتي ضمن استراتيجية ''السعودية'' في مواجهة تحدي التكلفة التشغيلية من جهة، والتوافق مع مواصفات صناعة النقل الجوي من جهة أخرى.
ففي الوقت الذي تقوم ''السعودية'' فيه بالتركيز على محكومية "القطاع" لتوفير الإمكانيات الاجتماعية والفنية، نجد أن جهودها متواضعة بعض الشيء من ناحية وكالات السفر والمسافرين. وبالتالي فإن ''السعودية'' مطالبة بتكثيف الجهود لتوثيق العلاقة التجارية مع وكالات السفر والمسافرين وإدراج احتياجاتهم الاقتصادية عند تحويل نشاط مبيعات التذاكر المحلية إلى وحدة استراتيجية. فالأداء الاقتصادي لأي قطب من أقطاب "القطاع" يتناسب تناسباً طردياً مع الأداء الاقتصادي لبقية الأقطاب، والعكس صحيح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي