رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


سوق ثانوية وآخرى رئيسية.. تباين في الآلية والتداول والاستثمار

تتمتع سوق الأسهم السعودية في الوقت الراهن بنمو متواصل بلغ متوسطه نحو 38 في المائة أهّلها لتحتل موقع الريادة في المنطقة، بقيمة أسهم مدرجة تشكل نحو 50 في المائة من قيمة الأسهم المدرجة في الأسواق العربية مجتمعة. ونجحت السوق كذلك في استقطاب ما يقرب من 17 مليار ريال.
كشفت إدارة مجلس هيئة السوق المالية خلال فعاليات اللقاء السنوي الخامس عشر لجمعية الاقتصاد السعودية المنعقد في الرياض تحت عنوان "السوق المالية السعودية: الواقع و المأمول"، أن لدى الهيئة دراسة لإيجاد سوق ثانوية للأسهم. تلحق بالسوق الثانوية الشركات الصغيرة والشركات المدرجة في السوق الرئيسية التي لا تحقق أي متطلبات نظامية بسبب الملكية أو رأس المال أو الاندماج، بحيث تخرج من السوق الرئيسية إلى السوق الثانوية.
الفرق بين آلية عمل السوق الرئيسية والسوق الثانوية، وانعكاسات كل آلية على استراتيجية التداول والاستثمار، يمكن التعرف عليها من خلال مقارنة سريعة بين آلية عمل سوق نيويورك للأسهمNew York Stock Exchange – NYSE، بتلك المعمول بها في سوق ناسداكNational Association of Securities Dealers Automated Quotations - NASDAQ.
يطلب من الشركات الراغبة في إدراج أسهمها للتداول في سوق نيويورك الإفصاح عن قوائمها المالية وطبيعة الملكية ورأس المال، إلى آخره من متطلبات الإدراج النظامية. أدت هذه المتطلبات إلى محدودية في فرص الاستثمار وعدد الشركات المدرجة.
اتجه المستثمرون إلى مكاتب الوساطة المالية القريبة من السوق والمنتشرة على جنبات شارع وول ستريت لتولي عملية البحث عن فرص استثمارية واعدة في الشركات غير المدرجة في سوق نيويورك.
كانت مكاتب الوساطة المالية تفتح نوافذ صغيرة counter مطلة على شارع وول ستريت لاستقبال طلبات المستثمرين. ومن ثم الاتصال عبر شبكة الهاتف بمكاتب الوساطة المالية الأخرى للبحث عن فرص استثمارية تحقق بها رغبة المستثمرين. ومن هنا نشأ ما يسمىover-the-counter - OTC، مشكلا سوقا ثانوية للأسهم موازية لسوق نيويورك.
ظهرت بعض التحديات الفنية والمالية مع اتساع حركة التداول في السوق الثانوية. أدت هذه التحديات إلى قيام مجموعة من مكاتب الوساطة المالية في شهر شباط (فبراير) من عام 1971 بتدشين نظام آلي يهدف إلى ميكنة آلية عمل السوق الثانوية والتغلب على التحديات الفنية والمالية. أطلق على النظام الجديد اسم ناسداك NASDAQ.
كما هو الحال في سوق نيويورك، وضعت سوق ناسداك العديد من متطلبات الإدراج النظامية. إنشاء سوق ناسداك لم يلغ السوق الثانوية، وإنما عمل على احتضان الشركات الصغيرة والعائلية والمندمجة والمديونية ومن ثم تنميتها وتأهيلها.
من هذا المنطلق، يمكن تحديد عدة اختلافات بين آلية عمل سوق نيويورك وسوق ناسداك. تشكل مجموع هذه الاختلافات استراتيجية التداول والاستثمار المتبعة في كل سوق.
الفرق الأول يدور حول تصنيف نوع السوق market model. تصنف سوق نيويورك على أنها سوق مزدوجة double auction يقوم على وجود مجموعة من المتداولين من جهة العرض تقوم بعرض بيع مجموعة من الأسهم، ومجموعة أخرى من جهة الطلب تقوم بعرض شراء مجموعة من الأسهم. و بالتالي يتحدد سعر السهم هنا بناء على التوافق بين كلا السعرين. في المقابل، تصنف سوق ناسداك على أنها سوق تفاوضية negotiated market تقوم على مبدأ التفاوض بين البائع والمشتري على تحديد قيمة السهم. وبالتالي يتحدد سعر السهم بناء على القدرة التفاوضية بين البائع والمشتري.
خاصية نوع السوق تؤدي إلى ظهور اختلاف آخر بين سوق نيويورك وسوق ناسداك. يتعلق الاختلاف بآلية عمل السوق market mechanize. تعتبر سوق نيويورك سوقا طلبية order-driven تقوم على توافر عدد من طلبات بيع وشراء لأسهم شركة مدرجة. بينما تعتبر سوق ناسداك سوقا حصصية quote-driven تقوم على توافر عدد معين من حصص الأسهم المطروحة للبيع من قبل المستثمر.
الفرق الثالث يتعلق بخاصية السوق market feature. ففي الوقت الذي نجد أن خاصية التداول في سوق نيويورك تتم عن طريق صالة التداول الموجودة في شارع وول ستريت وعن طريق الوجود الشخصي للوسطاء الماليين. نجد أن خاصية التداول في سوق ناسداك تتم عبر نظام معلومات يربط الوسطاء الماليين ببعضهم بعضا دون الحاجة إلى الوجود الشخصي في صالة التداول الموجودة في ميدان تايمزسكوير بنيويورك.
الفرق الرابع يتعلق بدور الأشخاص العاملين في السوقmarket operators. تتم عملية التداول في سوق نيويورك عبر مجموعة أشخاص يطلق عليهم اسم مختصين specialists تحددهم إدارة السوق لكل أسهم شركة مدرجة. يتولى المختص مهمة الإشراف على تداول أسهم الشركة الواقعة تحت اختصاصه، عن طريق تزويد الوسطاء الماليين بآخر أسعار العرض والطلب على أسهم الشركة. في المقابل، تتم عملية التداول في سوق ناسداك عبر أشخاص يطلق عليهم اسم صنّاع السوق market makers. كل شركة مدرجة تتعاون مع مجموعة من المنتجين يتولون تنشيط حركة تداول أسهم الشركة من خلال المداومة على تغذية السوق بطلبات بيع وشراء لأسهم الشركة المتعاونين معها.
الفرق الخامس: يتعلق بمحكومية سعر السهمmarket price governance. آلية عمل السوق وطبيعة دور الأشخاص العاملين في السوق تؤدي إلى ظهور اختلاف في محكومية سعر السهم. ففي سوق نيويورك، نجد أن حجم التداول يؤثر بشكل مباشر في سعر السهم. فحركة التداول تتناسب تناسبا طرديا مع حركة سعر السهم. في المقابل، نجد أن صنّاع السوق في سوق ناسداك يؤثرون تأثيرا مباشرا في سعر السهم من خلال قيامهم بتحديد سعر سهم الحصة التي يقومون بتدويرها في السوق.
الفرق السادس: يتعلق بطبيعة التداول والتقاص والتسوية في كلتا السوقين. فخاصية سوق نيويورك المتمثلة في ضرورة الوجود الشخصي للوسطاء الماليين لإتمام عملية التداول تتطلب دورا تقنيا أقل من ذلك الدور في سوق ناسداك الذي يجسد الخصائص والخدمات المقدمة من النظام التقني الشبكي كالإنترنت.
قائمة الاختلافات بين آلية عمل سوق نيويورك وسوق ناسداك تطول ولا يسمح المجال بسردها. ولكنها تعطي صورة مختصرة عن التباين في كلتا السوقين. فهما مجتمعتان تشكلان جسرا استثماريا مزدوجا لعبور مدخرات عدد كبير من أفراد المجتمع. يهدف الجسر إلى تشجيع الاستثمارات وزيادة وتيرة وكفاءة التخصيص في الاقتصاد بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة.
فسوق نيويورك تعتبر الأكبر على خريطة أسواق المال العالمية. فهي تضم نحو 28 ألف شركة، كشركتي جنرال إلكتريك وأكسون موبيل، بقيمة سوقية إجمالية تقارب الـ 20 تريليون دولار أمريكي. سوق ناسداك ليست ببعيدة عن هذه الأرقام. فهي تضم نحو 32 ألف شركة، كشركتي مايكروسوفت وإنتل، بقيمة سوقية إجمالية تشكل نحو ثلث القيمة السوقية لسوق نيويورك.
تتمتع سوق الأسهم السعودية في الوقت الراهن بنمو متواصل بلغ متوسطه نحو 38 في المائة أهّلها لتحتل موقع الريادة في المنطقة، بقيمة أسهم مدرجة تشكل نحو 50 في المائة من قيمة الأسهم المدرجة في الأسواق العربية مجتمعة. ونجحت السوق كذلك في استقطاب ما يقرب من 17 مليار ريال عبر أطروحات أولية واكتتابات في حقوق أولية.
ومما لا شك فيه أن نمو السوق وتنوع أدواتها وسهولة تقييمها وتداولها يؤثر إيجابيا في كمية المخاطر، ويساعد على خلق فرص استثمارية واقتصادية شاملة. وأحد أهم العوامل المستخدمة لتفعيل هذه الآلية هو إنشاء سوق ثانوية موازية للسوق الرئيسية وتختص بتنمية الشركات الصغيرة وتأهيلها عن طريق استقطاب مدخرات أفراد المجتمع.
وآلية عمل السوق الرئيسية وانعكاساتها على استراتيجية التداول والاستثمار تختلف عن السوق الثانوية. والسعي المستمر نحو زيادة وعي المستثمر والوسيط المالي بالتباين بين السوقين يعتبر عاملا ضروريا لتحقيق أهداف سياسة السوق العامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي