النصب المحلي والدولي......."الجريمة والعقاب"
حذرت الدولة بمختلف أجهزتها وقطاع الأعمال في الغرف التجارية ومجلس الغرف من النصابين العالميين الذين أتوا من خارج الحدود بوعود كبيرة بالحصول على مبالغ وفيرة في سبيل تسهيل مهمة إخراج مبالغ موجودة في البنوك المركزية أو وزارات المالية في بعض الدول الإفريقية, وكأن الأمر بسيط بأن تعطي لهؤلاء رقم حسابك في البنك أو أن تلتقي بهم في مكان ما ويفضلون اللقاء في الواقع بين جدرانهم وأهليهم وذويهم, وقد اندفع بعض المخدوعين إلى الوقوع في هذا الفخ, ولم يسلم من ذلك حتى بعض منسوبي الدول الأوروبية في بريطانيا وفرنسا وهولندا والسويد, والطمع طبيعة إنسانية, وللنصابين من الخارج حديث آخر آمل أن أتناوله مستقبلا, ولعل الحديث في هذا المقال عما ابتلي به عدد من المواطنين السعوديين في مناطق كثيرة عن ثقة مفرطة ببعض المدعين للعلم بالاستثمار في الأسواق المحلية والعالمية, وقد انطلت هذه الحيل الشيطانية على عدد كبير من المواطنين رجالا ونساء, ومن المؤسف أن يشمل ذلك بعض المتعلمين والعاملين في الأجهزة الحكومية والأمنية، وأن ينساق الجميع وراء سراب الثراء والوعود البراقة بالحصول على عوائد شهرية مجزية من هذا الاستثمار وهو ما يعرف عند الاقتصاديين بنظرية الهرم, حيث يتم تدوير الأموال بين المستثمرين بضمان عائد شهري لهم يصل أحيانا إلى 30 في المائة, وقد اندفع كثير من المواطنين إلى بيع منازلهم والاقتراض وبيع بعض ممتلكاتهم الثمينة للاستثمار في هذا السراب الخلاب, بل بلغ الطمع بالكثير منهم إلى عدم تسلم العوائد الشهرية رغبة في مضاعفة المبالغ المستثمرة, وقد قرأنا في الصحف المحلية عن بعض هؤلاء المحتالين, والجدير بالذكر أن هناك صيغة عامة تجمع بين الكثير منهم وهو ضآلة الفكر والحد الأدنى من التعليم, وقد كان بعضهم يعمل في أدنى درجات السلم الوظيفي المدني والعسكري وخرج إلينا ليكون مضاربا في جمع أموال المواطنين والعبث بالكثير منها في سبيل اتباع شهواته بشراء السيارات الفارهة والسفر بطائرات خاصة والإقامة في فنادق راقية والبذخ الكبير في السفر والحضر, وليست قصة سوا والهوامير في عسير والطائف ومكة وجدة وبعض مدن المملكة الشمالية إلا قمة جبل الجليد. والغريب أن تداول هذه الأموال يتم عن طريق القنوات الرسمية والبنوك التي تخضع لرقابة دائمة من مؤسسة النقد دون أن يحرك ذلك أجهزة الإنذار في هذه المؤسسات المالية والجهات الرقابية وقد بلغ عدد الذين دخلوا دائرة الاستثمار في منطقة من مناطق المملكة 22 مساهما يقبع الكثير منهم في غياهب السجن بعد أن أضاعوا تحويشة العمر لكثير من المواطنين ولعلي أضم صوتي إلى مَن سبقوني في أهمية توعية المواطنين من الوقوع في محاذير الاستثمار مع أفراد أو شركات وهمية غير مرخصة لها بإدارة الأموال بصفة قانونية, ونحن لم نسمع حتى تاريخه عن إيقاع أقصى العقوبات التي نأمل أن تصل إلى حد الحرابة بهؤلاء الذين أضاعوا أموال المواطنين وعبثوا بهذه الأموال دون رقيب أو حسيب, ولعل المواطن العزيز يذكر أن النصب مهنة عالمية لا تقتصر علينا وحدنا وإن كانت جديدة على مجتمعنا أفرزتها ماديات الحياة وتكالب الناس على الثراء وحب المال, والكثير من المتابعين للنصابين العالميين يذكرون ما آلت إليه أكبر الشركات الأمريكية ابتداء من طيب الذكر ميشيل ميلكني الذي كان يدعى ملك السندات الخطيرة وهو خبير مالي في وول ستريت, دعاه الطمع إلى المغامرة في السوق مما دعا إلى إفلاس شركته دركسل بيرنهام، وقد أصيب أخيرا بمرض السلطان ونشأ مؤسسة خيرية للتكفير عما ألحقه غدره بالمساهمين, كما أنهارت شركة أدلفيا التي أدارها الأب وابنه جون وتيموني ريجاس الذين حكم عليهم بالسجن لمدة 15 ـ 20 عاما والتي تعمل في صناعة الكابلات ـ كما أن السيد دياس كوزيوكس الشهير بالإنفاق الباذخ من أموال الشركة وشراء اللوحات الثمينة والتحف وتركيب ستارة لحمامة مطرزة بالذهب تجاوزت قيمتها ستة آلاف دولار وهذا الرجل الذي قاد شركة تايكو من خلال عمليات استحواذ كبيرة تعرض إلى مشاكل مالية لعدم تسديده الضرائب عن اللوحات الثمينة والمقتنيات الفاخرة التي يملكها, كما أن السيد بيرني ابيرس الذي أدت شهيته المفتوحة للاستحواذ على الشركات المماثلة إلى الصعود بسرعة الصاروخ، أدى ذلك إلى إفلاس شركة ورلد كوم للاتصالات, وكذلك تدهور شركة إنرون العملاقة في الطاقة وشركة آرثر أندرسون الرائدة في مجال المحاسبة والمراجعة نتيجة أخطاء مهنية في مراجعة بعض الحسابات للشركات الأمريكية القيادية وليست قصة السيدة مارثاستوارت عنا ببعيد حيث كان لإفادتها بأقوال كاذبة تتعلق بقيامها ببيع سندات شركة أم كلون.
هذا العرض التاريخي للنصابين في الولايات المتحدة الذين انتهوا جميعا إلى السجن بمحكوميات كبيرة وكانوا على رأس شركات كبيرة والكثير منها قبل أن تنفتح شهيتها للتوسع كانت ناجحة في إدارة أعمالها وشؤونها قبل أن يقودها الطمع والجشع إلى ما وصلت إليه, وخصوصا شركتي إنرون للطاقة وشركة ورلدكوم وآرثر أندرسون للمحاسبة.
خاتمة
أشكر الكثير من الإخوان والأصدقاء الذين تابعوا المقالات السابقة وطالبوني بالاستمرار، وأخص بالذكر والشكر صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز, وسعادة الدكتور فيصل البشير, والأديب الأريب الأستاذ حمد القاضي.
والله الموفق..