عضوية منظمة التجارة حزناها بجدارة.. وربّ ضارة نافعة
رغم أن المملكة لن تصبح عضوا رسميا في منظمة التجارة العالمية قبل يوم 12 كانون الأول (ديسمبر) المقبل, حيث يصادق مؤتمر المنظمة المقرر عقده في هونج كونج في ذلك التاريخ على الانضمام رسميا, إلا أن المجلس العام للمنظمة الذي عقد في جنيف بتاريخ 11 تشرين الثاني (نوفمبر) قد وافق على الانضمام ولم يعد هناك شك حول اجتياز إحدى مراحل السباق بثقة وجدارة.
وقد سادت في المملكة بعد إعلان خبر الانضمام مشاعر فرح كبيرة بين مختلف الأوساط, ولا سيما الاقتصادية منها, التي تقدر حجم الضنك والمعاناة اللذين واجهتهما المملكة خلال المفاوضات التي امتدت أكثر من عقد من الزمان, والتي تعرف أكثر من غيرها مدى الفوائد التي ستعود على الوضع الاقتصادي في المملكة من جراء الانضمام, بيد أن تلك المشاعر لم تخل من شعور بالقلق المشوب بالتساؤل, خاصة في الأوساط الشعبية, حول ماذا يعني الانضمام في مفهوم رجال الشارع في ميزان الربح والخسارة؟ أقصد المواطن العادي الذي لا يرقى فهمه وإدراكه إلى مستوى فك شيفرات مصطلحات المنظمة, التي لا يجيد فهمها وما ترمي إليه غير الفريق المفاوض, ولذلك برزت أصوات كثيرة في المجتمع, وحتى في الوسط الإعلامي تطالب ببسط الأمور أمام الناس, وشرح مزايا ومساوئ الانضمام, وما الذي سيجنيه المواطن العادي, الذي ليس تاجرا ولا صانعا ولا مزارعا, وهل سترتفع عليه أسعار بعض السلع والخدمات التي يحتاج إليها في حياته اليومية؟ بما في ذلك إيجار السكن الذي يقطنه والسيارة التي يستأجرها لتأمين تنقلاته, والفحص الطبي الذي يحتاج إليه لأسرته؟
إن المواطن العادي معني بما يترتب على الانضمام بصورة مباشرة أو غير مباشرة, ولذلك فإن من حقه الإلمام بذلك وإدراكه ومعرفته بالأسلوب الذي يفهمه, ويقف من خلاله على المتغيرات التي قد تطرأ على فاتورة تكاليف معيشته, سواء في المستقبل القريب أو البعيد.
إن الوقت الطويل الذي استغرقته المفاوضات والجهود الكبيرة التي بذلت خلالها كانت مملوءة بالعبر والفوائد لأنها أشعرتنا بأهمية ومعنى أن يصبح بلدنا عضوا فاعلا في هذه المنظمة, وستشعرنا أكثر بقيمة هذا الانضمام, وأهمية تحقيق المكاسب المتوخاة منه, والمحافظة عليها, فضلا عن أهمية المكاسب التي حققناها خلال مراحل التفاوض الطويلة, واستغراقها وقتا قلما يحدث مع الدول الأخرى, وهو ما جعلنا نتململ ونتساءل عن الأسباب, والكثيرون لم يدركوا أن ذلك قد عاد بفوائد تتمثل في إصدار العديد من الأنظمة والتشريعات, وتوقيع العديد من الاتفاقيات في مجالات متعددة, مثل تعزيز استقلال القضاء, وحق المداعاة, حقوق الإنسان, تأهيل مبادئ الشفافية والوضوح, ضمان الحقوق والحريات الفردية والملكيات الفكرية, وهي أمور مهدت وهيأت لحيازة العضوية بجدارة ولم يكن لها أن تتحقق لولا الضغوط والشروط الصعبة التي صاحبت المفاوضات, سواء على المستوى الجماعي مع هياكل المنظمة أو الفردي مع الشركاء الرئيسيين كل على حدة, ولا يوجد ما يمكن التعبير عنه عما حدث سوى المثل الشائع "رب ضارة نافعة", وإجمالا فإنه لا يسع المراقب المنصف إلا أن ينظر بإعجاب وتقدير إلى الجهود الكبيرة التي تضافرت فحققت الإنجاز.
والمهم الآن هو التركيز, فيما يقبل من أيام, على تحقيق المكاسب المنتظرة عندما يحين وقت التطبيق الفعلي لشروط ومتطلبات الانضمام وبنود الاتفاقيات النهائية والثنائية.
وإذا كان للمواطن العادي من آمال منتظرة, وتطلع إلى تلمس النتائج النهائية, فإنها تتمثل في الآتي:
التركيز على التوعية
ينبغي التركيز على التوعية والتثقيف الموجهين إلى المواطن العادي, لشرح مضامين الانضمام وأهدافه, وماذا يعني له, وما هي إيجابياته وسلبياته, والدور المنتظر من القطاعات الاقتصادية كافة للتعاون والتفاعل مع المعطيات الجديدة التي سيورثها الانضمام؟ كل ذلك بأسلوب ولغة يفهمها المواطن ويعرف مدلولاتها, بعيدا عن المصطلحات الفنية المعقدة. ويمكن أن يتم ذلك من خلال الكتيبات والنشرات والندوات والحوارات والبرامج التلفزيونية والإذاعية والوسائل المتاحة كافة.
الاهتمام بجودة المنتج
إن الاهتمام في المجالات الاقتصادية من صناعية وزراعية وخدمات بجودة المنتج وقياس مدى قدرته على المنافسة عندما يفسح المجال للمنتجات الأخرى التي سنستقبلها عند التطبيق الفعلي للاتفاقات المتعلقة بتبادل السلع والمنتجات والخدمات, هو أمر في غاية الأهمية, لتعزيز قدرة المنتج الوطني على المنافسة, ومع أن منتجاتنا الوطنية تحوز الحد الأدنى من عناصر المنافسة من حيث الجودة, وبعضها فرض له مكانا بين السلع العالمية, إلا أنه ينبغي على المنشآت الإنتاجية الانصراف خلال المرحلة الانتقالية التي تسبق التطبيق, إلى تطوير وتحسين المنتج مظهرا ومخبرا, والاهتمام بوجه خاص بالصورة التي يكون عليها المنتج في يد المستهلك, من حيث المظهر "جودة التشطيب" والتغليف, وأسلوب إعداد النشرات والضمانات المصاحبة للسلعة, إذ إن أحد أسرار التسويق, إلى جانب الدعاية الجيدة, هو كيفية تقديم المنتج للزبون في قالب نفسي يجسد الذائقة الإبداعية.
أهمية المتابعة والإشراف
أنصح باستمرار الفريق الذي أوصلنا إلى حيازة العضوية بالالتقاء دوريا من أجل المتابعة والإشراف على التطبيق والتأكد من الاستعداد والملاءة المعنوية لكل القطاعات المعنية بالانضمام, وحل المشاكل وتذليل الصعوبات التي قد تعترض طرق التنفيذ, وهي أمور متوقعة.
إن الانضمام الفعلي إلى المنظمة وبدء تحقيق الفوائد من هذا الانضمام يبدأ من التواريخ الفعلية لبدء تنفيذ الاتفاقات, ومن ثم فإن مهمة الفريق المفاوض لم تنته بعد, ولايزال أمامنا طريق طويل لن يخلو من صعاب, علينا أن نكمله باستعداد وقوة إذا أردنا تجسيد الانضمام وإبراز فوائده وإشعار العالم بأن انضمام المملكة سيكون إضافة إيجابية تسهم في منظومة التكامل الاقتصادي والتمازج التجاري بين أعضاء المنظمة. والله من وراء القصد.