هل أصبح اقتصادنا رهينة سوق الأسهم؟!

مع كل فورة جديدة في أسعار الأسهم السعودية يتكرر الحديث عن خطورة مستويات الأسعار التي وصلت إليها السوق وأن ذلك يهدد بحدوث انهيار حاد، إلا أن السوق المرة تلو الأخرى يخيب ظن المحللين وبعد كل تراجع محدود ينطلق محققا أرقاما قياسية جديدة، ولست سنوات متتابعة حقق سوق الأسهم السعودية نموا إيجابيا فاق متوسطه خلال السنوات الثلاث الأخيرة 80 في المائة سنويا. وتكرر تحذير الاقتصاديين من مغبة انهيار السوق ثم مواصلة السوق ارتفاعه بقوة بعد كل تراجع تصحيحي أوجد حالة من التفاؤل غير الصحي لدى المتعاملين وقناعة بأن كل هذه التوقعات في غير محلها، وأنه يمكن لهذا السوق أن يواصل ارتفاعه لسنين عديدة دون أدنى اعتبار لحقيقة الأداء المالي للشركات المتداولة وحتى لو بلغ مكرر الربحية أضعاف معدلاته المقبولة عالميا.
فشل الجهات المسؤولة عن الشأن الاقتصادي في اتخاذ خطوات عملية تجنب الاقتصاد المحلي ظاهرة فقاعة سوق الأسهم، والذي سمح لأسعار الأسهم بمواصلة ارتفاعها بصورة غير مبررة ومبالغ فيها، يمثل دون أدنى شك خطأ استراتيجيا جسيما، تسبب في الحد من نمو قطاعات النشاط الحقيقي في اقتصادنا الوطني، من خلال توجيه معظم السيولة المحلية لتمويل مضاربات سوق الأسهم، إلا أن السلبيات العديدة المترتبة على هذا الارتفاع في أسعار الأسهم والمشاهدة حاليا لا تمثل في الواقع إلا قمة الجبل الجليدي، أما النتائج الكارثية لذلك فلن تتضح بكامل أبعادها إلا عندما تدخل السوق مرحلة التراجع.
فالارتفاع الهائل في سعار الأسهم تسبب في اجتذاب مختلف شرائح المجتمع لهذا السوق وتضاعف عدد المتعاملين خلال عامين فقط عدة مرات، حيث تشير التقديرات إلى أن هناك ما يزيد على مليوني متعامل في السوق حاليا، ما يزيد من حدة تأثير أي تراجع حاد في سوق الأسهم على استقرارنا الاقتصادي والاجتماعي. فكما أشارت إحدى الأوراق المقدمة في اللقاء الخامس عشر لجمعية الاقتصاد السعودية, الذي عقد الأسبوع الماضي, فإن 85 في المائة من المتعاملين في سوق الأسهم مقترضون، وفي ظل ضخامة أعداد المتعاملين، فإن مستوى معيشة معظم أفراد المجتمع أصبح مرتبطا بالتالي بمحافظة سوق الأسهم على أدائه، ما يعني أن أي تراجع في السوق سيعرضهم لكوارث مالية ليس لدى معظمهم أي قدرة على مواجهتها.
وأرباح البنوك التي نمت بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين تأتي معظمها من رسوم تداول الأسهم وفوائد التسهيلات الممنوحة للمضاربين التي تعتمد على حجم التداولات المرتبطة باستمرار حمى المضاربات في السوق، كما تعتمد على النمو الكبير في القروض الشخصية ذات سعر الفائدة العالي جدا, الذي يذهب جزء كبير منها للمضاربة في سوق الأسهم، وتراجع السوق سيترتب عليه بالتالي تراجع حاد في ربحية البنوك وزيادة في حجم الديون المتعثرة. الشركات المساهمة الأخرى، وكما تُظهر قوائمها المالية، يأتي معظم التحسن في أدائها المالي خلال العامين الأخيرين من نمو كبير في أرباحها غير التشغيلية الناتجة عن استثماراتها في سوق الأسهم، وبالتالي فانحدار السوق سيلحق بالغ الضرر بوضعها المالي ومعدلات ربحيتها.
من جانب آخر, فإن ارتفاع السوق المبالغ فيه تسبب في أنه لم يعد في استطاعة السلطات الاقتصادية أن تصحح تقصيرها وتستفيد من وفرة التمويل المتاحة من خلال طرح مشاريع استراتيجية ضخمة في اكتتابات عامة أو حتى من خلال طرح نسبة كبيرة من الأسهم المملوكة للدولة في الشركات القائمة مثل شركة سابك, الاتصالات, والبنك الأهلي أو غيرها تفاديا لتأثير ذلك في أداء السوق، لما سيترتب على تراجع السوق من أضرار جسيمة بقطاعات اقتصادية عديدة. ما يحرم اقتصادنا بصورة قاطعة من إمكانية توظيف فائض سيولتنا في تنفيذ برامج تنموية طموحة تزيد من الفرص الاستثمارية المتاحة محليا وتسهم في الحد من هجرة الأموال واستقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية.
لذا وبسبب الارتفاع المستمر في أسعار الأسهم المحلية، والذي فشلت الجهات المسؤولة في اتخاذ خطوات مناسبة لتفاديه، أصبح اقتصادنا الوطني ضحية لتعقيدات متشابكة تزداد حدة مع مضي الوقت، وتجعل مواصلة السوق ارتفاعه غير المبرر ومحافظته على قوته ضرورة اقتصادية، باعتبارها أخف الضررين وتفاديا لما هو أسوأ. أي أن اقتصادنا قد أصبح رهينة لسوق الأسهم، وصار من الخطورة بمكان اتخاذ أي خطوات جريئة لامتصاص فائض السيولة وزيادة مكاسبنا الاقتصادية من الطفرة الحالية، تفاديا لحدوث تراجع حاد في سوق الأسهم يضر بشريحة ضخمة في المجتمع ويؤثر بحدة في ربحية معظم الشركات المساهمة ويهز ثقة المستثمرين بفرص الاستثمار المحلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي