رأس المال المخاطر والحاجة للتمويل
يعتبر التمويل بجميع أنواعه إحدى أهم ركائز الاستثمار لأي اقتصاد في أي زمان وفي أي مكان ولذلك فإن تطوير أدوات التمويل أخذ وما زال يأخذ حيزا كبيرا من اهتمام المصرفيين, الماليين, والمستثمرين على حد سواء.
ومن ذلك التطوير أن برز في نهاية الخمسينيات الميلادية نمط جديد من التمويل يختلف عن التمويل التقليدي في نظرته لمستويات المخاطرة في استثمارات وأعمال الشركات التي تحتاج إلى التمويل, فهذا النمط الذي اصطلح على تسميته برأس المال الجريء أو المخاطر أو المغامر Venture Capital (VC), يقوم بتمويل استثمارات تحتوي على نسب مخاطرة أعلى من المتوسط المتعارف عليه, وهو في الوقت نفسه يحتوي على أرباح عالية في حالة النجاح وهو تأكيد لمبدأ أن الربحية مرتبطة إلى حد كبير بمستوى المخاطرة في الاستثمار.
وقد برزت الحاجة إلى مثل النوع من التمويل مع بداية ثورة التقدم التكنولوجي, خاصة في صناعات الكمبيوتر والإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات التي تعتمد بشكل كبير على الأفكار التي لا تساوي شيئاً مهما كانت أهميتها وقيمتها الاستثمارية والاقتصادية ما لم يتم تطويرها وتحويلها إلى واقع ملموس, أي بمعنى أدق تمويلها لتتحول إلى منتج نهائي قابل للتداول. وبعد ذلك امتد إلى تمويل شركات قائمة في المراحل الأولى من عمر الشركات والتي تحتاج إلى متطلبات تمويلية خاصة لدعم نموها وتطورها وتملك فرص نمو مجدية, وكذلك فإن رأس المال يقوم بتوفير التمويل لأغراض التوسع للشركات غير المدرجة في البورصات بهدف مساعدتها على النمو والتوسع الاستثماري لإيصالها إلى التداول العام.
لقد عرفت صناعة رأس المال المخاطر بالاستثمار الذي يبني الاستثمارات وذلك لقصر العمر لدورة رأس المال حيث يعتمد رأس المال المخاطر على فترات زمنية قصيرة, بحيث يتم الاستثمار لمدة معينة أو لتحقيق نسب نمو معينة في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم ومن ثم بيعها إلى مستثمرين آخرين وكذلك الاستثمار في شركات كبيرة الحجم Pre IPO ومن ثم طرحها للاكتتاب العام كاستراتيجية خروج من الاستثمار. ومن ثم يعود رأس المال نفسه مرة أخرى في تبني أفكار استثمارية جديدة وبناء استثمارات صغيرة وبيعها للمستثمرين الأقل مخاطرة, مما يجعلنا أمام دورة شبة مستمرة من بناء صناعات وشركات جديدة في السوق.
اليوم واقتصادنا يعيش فترة ذهبية ودخولنا إلى معترك السوق العالمي المفتوح ومع ظهور هيئة سوق المال كمشرع ومنظم للتعاملات المالية, فإننا في حاجة إلى تقديم مثل هذا النوع من أدوات التمويل خصوصا وقد تعالت الأصوات بضرورة إيجاد قنوات استثمارية صحية لاستيعاب الحجم الكبير للسيولة الموجود في السوق. والأمر هنا ليس فقط الاستيعاب, وإنما الاستفادة القصوى منه كونه إحدى وسائل الدعم المالي والفني والإداري للمشاريع الناشئة والتي يركز عليها بشكل كبير استثمار رأس المال المخاطر لتكون تلك المشاريع نواة اقتصادية مهمة في بناء العمود الفقري لأي اقتصاد وهي الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. ولا تقف الفائدة عند هذا الحد إنما تمتد لتوسيع قاعدة كبيرة من الشركات ستظل تحتاج إلى تمويل للتوسع وهو ما سينعكس على أداء القطاع المصرفي لدينا بصفة عامة. وبذلك ستجد البنوك شركة أصبحت قوية بالشكل الذي يخولها للاقتراض وهي التي كانت في السابق لا تملك المتطلبات الكافية التي تمكنها من الاقتراض وذلك للقيود الكبيرة التي تضعها البنوك للتمويل.
ختاماً, إن هذا التوجه قد يسهم في بناء جيل جديد من المبتكرين والمخترعين الذين ربما لم يجدوا في السابق التمويل والدعم لاحتضان أفكارهم و إبداعاتهم وتحويلها إلى واقع ملموس ليدعم في نهاية المطاف ناتجنا المحلي ويسهم في بناء اقتصادنا الكلي.