السعودية تسرّع برامج رفع الإنتاج وترسل رسالة تطمين للسوق النفطية
في الوقت الذي أصبح فيه العامل الأمني والتوترات السياسية في بعض الدول المنتجة مؤثرا في الأسعار، مضيفا إلى سعر البرميل ما بين 8 و15 دولارا بسبب خوف المتعاملين من انقطاع الإمدادات هنا أو هناك، ومع استمرار النمو العالي في الطلب، فإن السعودية، التي تعتبر بحق بنك العالم المركزي فيما يخص إمدادات النفط، آثرت أن توجه رسالة عملية أنها ماضية على طريق رفع طاقتها الإنتاجية بالطريقة التي تؤمن للمستهلكين الحصول على الإمدادات التي يريدونها وفي الوقت الذي يريدونه.
الرسالة لم تأت فقط من خلال البيانات التفصيلية الخاصة ببرنامج رفع الطاقة الإنتاجية التي سلمت لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبط" ووضعتها الأخيرة في موقعها على شبكتها العنكبوتية، وإنما العمل على استكمال بعض المشاريع حتى قبل مواعيدها المخططة، مثلما حدث مع مشروع حرض، الذي افتتح برنامج الزيادة فيه منتصف الشهر الماضي وبإضافة 300 ألف برميل يوميا من الخام الخفيف إلى جانب 140 مليون قدم مكعب من الغاز المصاحب بتكلفة بلغت 1.2 مليار دولار.
وفي الافتتاح أعلن المهندس علي النعيمي وزير النفط والثروة المعدنية، أن السعودية تريد استقرارا في الأسواق العالمية، وستعمل من جانبها على تحقيق جزء من ذلك الالتزام تجاه ذلك الاستقرار عبر رفع الطاقة الإنتاجية المتاحة لديها إلى 12.5 مليون برميل يوميا، والحفاظ على ما لا يقل عن مليون ونصف المليون برميل يوميا منها طاقة إنتاجية فائضة يتم اللجوء اليها عند الحاجة الدائمة، مثل النمو في الطلب أو المؤقتة عند حدوث انقطاع في الإمدادات لأي سبب من الأسباب، هذا بالطبع إلى جانب التعويض عن التدهور الطبيعي في إنتاج بعض الحقول، الذي قدره عبد الله السيف كبير نواب الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو، أنه في حدود 12 في المائة سنويا، وذلك كما جاء في تصريحه لنشرة "بتروليوم إنتلجنس ويكلي" النفطية المتخصصة.
القرار برفع الطاقة الإنتاجية في هذا الحقل اتخذ في نيسان (أبريل) 2004، وفي كانون الثاني (يناير) الماضي اكتملت مختلف العمليات وبدأ النفط يتدفق في الشهر التالي. وكانت الخطط الأولية تقوم على بدء التشغيل في الربع الثاني من هذا العام، لكن مع اكتمال العمل وحاجة السوق إلى رسالة تطمينية رئي إعلان افتتاحه رسميا وبدأ ضخ النفط قبل ذلك الموعد.
الحقل الذي يقع في أقصى الطرف الجنوبي من حقل الغوار العملاق ينتج نفطا خفيفا في العادة، وهذه هي الإضافة الثالثة والأخيرة لطاقته الإنتاجية من خلال مشروع من ثلاث حلقات بدأ قبل عشر سنوات. وتأتي الإضافة الثالثة من حرض بعد الإضافتين من حقلي القطيف وأبو سعفة قبل عامين، وبموجبهما دخل إلى الطاقة الإنتاجية السعودية 650 ألف برميل يوميا من الخام المتوسط.
وعلى الطريق تطوير حقل الخرسانية الذي يتوقع له أيضا أن يضيف نصف مليون برميل يوميا من الخام الخفيف، وقبل الموعد المحدد له، وذلك في كانون الأول (ديسمبر) المقبل وبتكلفة 2.2 مليار دولار. ويشمل الخرسانية أيضا حقلي أبو حدرية والفاضلي، وكلها حقول صغيرة بالمقاييس السعودية، ولو أنها بمقاييس أخرى مثل بحر الشمال مثلا تعتبر حقولا كبيرة.
وشهد الخرسانية بداية الإنتاج عام 1960، حيث يوجد النفط في خمسة مكامن، ووصل حجم الإنتاج من نوع العربي المتوسط إلى 200 ألف برميل عام 1980. أما أبو حدرية فبدأ العمل بعد عام من الخرسانية منتجا نفطا من النوع الخفيف، ووصل قمته بإنتاج 105 آلاف برميل عام 1971 من خلال ستة مكامن. أما الفاضلي فبدأ الإنتاج منذ عام 1963 من مكمنين ووصل قمته بإنتاج نصف مليون برميل يوميا عام 1977.
وفي ميدان الغاز، هناك مشروع الحوية الذي سيكتمل في تشرين الأول (أكتوبر) من العام المقبل، وقبل موعده كذلك، حيث سينتج أربعة مليارات قدم مكعب من الغاز يوميا و310 آلاف برميل يوميا من الغاز الطبيعي المسال.
أما المشروع الأكبر الذي تترقبه الصناعة النفطية فهو مشروع خريص، الذي يتوقع له أن يكتمل في تموز (يوليو) 2009، أي قبل الموعد الأصلي المحدد له، وهو بين عامي 2009/2010. ويعتبر أكبر مشروع يتم إنجازه في تاريخ "أرامكو" وفي الصناعة النفطية عموما بسبب كبر حجم المرافق التي يتضمنها والعمل الكثيف والمتنوع الذي تحتاجه، وكل ذلك في إطار فترة زمنية قصيرة نسبيا بالنسبة لمثل هذا النوع من المشاريع. وعند اكتمال المشروع سيضيف 1.2 مليون برميل يوميا من نوع العربي الخفيف إلى الطاقة الإنتاجية السعودية.
والعمل في واقع الأمر يغطي ثلاثة حقول: خريص، أبو جفان، ومزالج. خريص هو أكبرها ويمتد على مساحة تبلغ 2890 كيلو مترا مربعا ويقع جنوب شرقي الظهران وإلى الغرب من الهفوف. أما أبو جفان فيغطي مساحة 520 كيلو مترا مربعا ويقع جنوب غربي خريص، بينما مزالج يغطي مساحة 1630 كيلو مترا مربعا ويقع شرق أبو جفان.
وتوجد في الوقت الحالي أربعة معامل لفصل النفط عن الغاز، اثنان في حقل خريص وواحد في كل من الحقلين الآخرين. المشروع سيتضمن إنشاءات في ستة مواقع، وإضافة إلى الخام المنتج ويتم ترحيله عبر الخط الناقل بين الشرق إلى الغرب (بترولاين)، فإنه سينتج أيضا 315 مليون قدم مكعب من الغاز الحر الذي سينقل إلى معمل الغاز في شدقم ليدخل ضمن شبكة الغاز الذي يحتاج إلى المعالجة.
وإلى جانب رفع الطاقة الإنتاجية بالنسبة للنفط الخام، فإن السعودية بدأت في مشروع ضخم متكامل يتم بناؤه شاملا قطاعات النفط، التكرير، والبتروكيماويات.
وكانت شركة أرامكو السعودية، وبعد اتصالات ودراسات عديدة، قد بدأت في أيار (مايو) 2004 في الدراسة التفصيلية للمشروع الذي رئي أن يتم بناؤه مرة واحد لينتج 2.4 طن سنويا من المواد البتروكيماوية الصلبة والسائلة، مع كميات من البنزين والمشتقات النفطية الأخرى. وتم تأسيس الشراكة مع شركة سوميتومو كيميكال اليابانية في آب (أغسطس) الماضي، كما سيستفيد المشروع من مصفاة "أرامكو" المقامة في رابغ على ساحل البحر الأحمر لتزويد المشروع باللقيم اللازم.
وسجلت التكلفة الكلية للمشروع ارتفاعا إذ بلغت في صورتها النهائية 9.8 مليار دولار مرتفعة من 8.56 مليار، وسيستثمر الشركاء مبلغا يقارب أربعة مليارات دولار في المشروع، وهناك خطط لطرح 25 في المائة من أسهم المشروع للاكتتاب العام. وأسهم كل من صندوق الاستثمارات العامة السعودي وبنك اليابان للتعاون الدولي في تقديم تمويل للمشروع بنحو 2.5 مليار دولار، إلى جانب قروض تجارية تقليدية وأخرى من مؤسسات مصرفية إسلامية.
والمشروع حلقة من حلقات الاهتمام بجانب العمليات النهائية خاصة في ميدان التكرير، حيث تعاني السوق عدم وجود مؤسسات حديثة في هذا الجانب. ولـ "أرامكو السعودية" من خلال المصافي التي تشارك فيها طاقة تكريرية داخلية تبلغ 1.7 مليون برميل يوميا، إلى جانب أخرى خارجية في حدود 1.6 مليون.
ودخلت عمليات إقامة مصفاتين في كل من الجبيل وينبع بطاقة 400 ألف برميل يوميا لكل منهما مراحلها نهائية، بل ويبدو أن الكونسورتيوم الذي تقوده شركة كونوكو فيليبس قدم أحسن عرض حتى الآن لبناء مصفاة ينبع، بينما تأتي شركة توتال في مقدمة العروض لبناء مصفاة الجبيل. وتتراوح التكلفة بين أربعة وخمسة مليارات لكل من المشروعين.
وبالنسبة للساحة الخارجية، فإن "أرامكو" وقعت اتفاقا مع شركة شل في تموز (يوليو) 2004 لشراء حصة 9.9 في المائة من أسهم مجموعة شل شوا العاملة في اليابان. وبموجب الاتفاق ستقدم "أرامكو" نفطا خاما للتكرير في حدود 300 ألف برميل يوميا. كما تم افتتاح المجمع البتروكيماوي الذي يضم مصفاة في فوجيان الصينية، وتشارك فيه بنسبة 25 في المائة إلى جانب "إكسون موبيل" التي تملك حصة مماثلة، وشركة صينوبيك الصينية التي تحوز نصف الأسهم. وهناك أحاديث تجري لإقامة مجمع ثان ومصفاة مع "صينوبيك" في مقاطعة شاندونج يمكنها التعامل مع النفط الثقيل.