النية الصادقة لدى التاجر

النية الصادقة لدى التاجر

ما برحت النية وأحاديث المقاصد تمثل المحول الأهم في العبادات والمعاملات، فحديث النية: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، الذي عده الإمام الشافعي ربع العلم؛ يعتبر مؤثراً تأثيراً بالغاً في أعمال المكلفين، فتجده يحول المعاملة التي ظاهرها الحل إلى معاملة محرمة، فالعينة مثلاً – وهي بيع سلعة لمن يطلب ديناً تقسيطاً ثم شراء البائع إياها منه مرة أخرى نقداً- محرمة؛ لأنها تحايل على الربا؛ وفيها حديث: "إذا تبايعتم بالعينة..." سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه حتى تعودوا إلى دينكم"، فهذه المعاملة ظاهرها الحل؛ ولكن حكمها التحريم كما صح الحديث بذلك.
ومن أمثلة ذلك النهي عن بيع العنب لمن يتخذه خمراً، لأن مقصده تصنيعه خمراً لا الانتفاع به عنباً، فتحول حكم بيع العنب بحسب المقصد والنية الفاسدة.
ومنها النهي عن بيع السلاح زمن الفتنة؛ لأن نية مشتريه غالباً المشاركة في الفتنة، فتحولت الصفقة من مباحة إلى محرمة تبعاً لمقصد صاحبها ونيته.
ومن المعاملات المعاصرة التي تخفى على كثير من الناس ما يعرف بالمسابقات التجارية حيث تضع بعض المحلات التجارية الكبرى سيارة أو غيرها للمشتركين في السحب على تلك الجوائز العينية، رغبة منها في زيادة مبيعاتها، أو ترويج بضاعتها حلى حساب غيرها من المحلات، وهذا نوع من المنافسة المنهي عنها في الحديث: "ولا تنافسوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض". كل هذه الأمثلة من القمار المحرم الداخل تحريمه في عموم الميسر في قوله تعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون).
ففيها مقامرة بأموال الناس، فحمى الشرع أموال الناس، ونهى عن أكلها بالباطل.
فهكذا نلاحظ أثر النية والمقصد في تغير الأحكام الشرعية، مما يدعونا إلى ضرورة العناية بنياتنا ومقاصدنا، أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يصلح نياتنا وأعمالنا، وأن يرزقنا الرزق الحسن، وأن يفقهنا في ديننا.
الأستاذ في كلية الشريعة ـ جامعة أم القرى

الأكثر قراءة