تكاليف الزواج أصبحت شبحا للشباب والعانسات
أكد الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس إمام وخطيب المسجد الحرام أن مشكلة الزواج ومعوقاته من صميم الحياة الاجتماعية، وتتعلق بحياة كل فرد وأسرة في المجتمع على مختلف الظروف والمستويات، وأضاف أنها لا تزال موجودة متجددة، تتقدم الأعوام وتزداد العراقيل، وتمضي السنوات وتكثر العقبات، وكأن الطرق قد سُدَّت أمام الراغبين في الزواج، والحواجز قد وضعت في طريقهم، والعوائق تنوعت وتعددت في دروبهم، حتى ظهر الحال بمنظرٍ يُنذر بخطر العواقب وسوء المنقلب، وحتى غدت قضايا الزواج مُلحّة تحتاج لعلاج فوري، وتَصَدٍّ جِدِّي من المسلمين جميعًا، لا سيما من ذوي المسؤولية ودعاة الإصلاح.
وأوضح أن هناك شعورًا بمأساة كثير من الشباب العاجزين عن الزواج والفتيات العوانس في البيوت، الذين أصبحت تكاليف الزواج تمثل شبحًا مخيفًا لهم، وعقبة كَأْدَاءَ في حياتهم، وهم لا يزالون يصطلون بنار الشهوة، ويكتوون بلظاها، ويئنُّون من لأوائها.
ومضى يقول إنه للأسف الشديد أنها أصبحت إما قضية فضيلة أو رذيلة، ومن المؤلم أن يصل بعض الشباب إلى سن الثلاثين والأربعين، وهو لم يفكر بعدُ في موضوع الزواج، وما انفتحت أبواب الفساد إلا لما وُضعت العراقيل أمام الراغبين في الزواج، بل لم ينتشر الانحلال والدعارة وما وراء ذلك وقبله من المعاكسات والمغازلات والعلاقات المشبوهة والسفر إلى بيئات موبوءة ومستنقعات محمومة إلا بسبب تعقيد أمور الزواج، لا سيما مع غلبة ما يخدش الفضيلة، ويقضي على العفة والحياء، مما يُرى ويُقرأ ويُسمع، مع ألوان الفساد الذي قذفت به المدنية الحديثة، وحدِّث ولا كرامة عما تبثه القنوات الفضائية، والشبكات المعلوماتية التي تُفجر براكين الجنس، وتزلزل ثوابت الغريزة، وتوَجَّه ضد قيم الأمة وأخلاقها، فإلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأشار إلى بعض العراقيل التي يضعها بعض الأولياء ـ هداهم الله ـ الذين قد خانوا الأمانة التي حُمِّلوها في بناتهم وفتياتهم، بمنعهنّ من الزواج من الأكفاء دينًا وخُلقًا وأمانة، فقد يتقدم إليهم الخاطب الكُفء فيماطلونه ويعتذرون له بأعذار واهية، وينظرون فيه إلى أمور شكلية وجوانب كمالية، يسألون عن ماله، عن وظيفته، عن وجاهته ومكانته، ويُغفلون أمر دينه وخُلقه وأمانته.
بل لقد وصل ببعض الأولياء الجشع والطمع أن يعرض ابنته الحرة المسلمة الكريمة سلعة للمزايدة، وتجارة للمساومة والعياذ بالله، وما درى هؤلاء المساكين أن هذا عضلٌ وظلمٌ وخيانة، وقد تكون مدرِّسة أو موظفة فيطمع في مرتبها، فأين الرحمة في هؤلاء الأولياء؟! كيف لا يفكرون بالعواقب؟! أيسُرُّهم أن يسمعوا الأخبار المفجعة عن بناتهم مما يندى له جبين الفضيلة والحياء؟! وأضاف: إنني أستغرب كيف يجرؤ مسلم غيور يعلم فطرة المرأة وغريزتها على الحُكم عليها بالسجن المؤبد في بيته إلى ما شاء الله، ولو عَقَل هؤلاء لبحثوا هم لبناتهم عن الأزواج الأكفاء، فهذا عمر رضي الله عنه يعرض ابنته حفصة على أبي بكر ليتزوجها، ثم على عثمان رضي الله عنهم أجمعين، وهذا سعيد بن المسيب -رحمه الله- يزوج تلميذه أبا وداعة، وهذا ديدن السلف في عصورهم الزاهية.
إن تضييق فُرص الزواج عِلّة خراب الديار، به تُقَضُّ المضاجع، وبه تكون الديار بَلاقِع، وبه يُقتل العفاف وتُوأد الفضائل، وتسود الرذائل، وتُهتك الحُرمات، وتنتشر الخبائث والسَوءات.