شركات النفط الغربية تبدأ مراجعة علاقاتها مع إيران
بدأت شركات النفط العالمية المتعاملة مع إيران في التحوط لما يمكن أن تنتهي إليه المجابهة بين طهران والدول الغربية بخصوص الملف النووي. وجاءت الطلقة الأولى وبصورة واضحة من شركة نيبون اليابانية، ثاني أكبر مشتر ياباني للنفط الإيراني. "نيبون" أعلنت في الأسبوع الثاني من هذا الشهر أنها ستقلص مشترياتها من إيران بنسبة 15 في المائة بسبب تدهور الوضع السياسي. وتعتبر إيران ثالث أكبر مزود لليابان بالنفط الخام بعد السعودية والإمارات.
و"نيبون" واحدة من 15 شركة يابانية كبرى تشتري النفط الإيراني. وتعتبر مجموعة شوا النفطية أكبر مشتر، إذ بلغ حجم مشترياتها العام الماضي 135 ألف برميل يوميا، متراجعة من 139 ألفا في 2004، وتليها "نيبون" التي بلغ متوسط مشترياتها 109 آلاف برميل في العام، ثم "تومين" التي اشترت العام الماضي نحو 95 ألف برميل يوميا، مرتفعة من 81 ألفا كانت متوسط مشترياتها في 2004.
قرار "نيبون" سيساعد على الاستمرار في تقليص اعتماد اليابان على النفط الإيراني، إذ بلغت مشترياتها من طهران في المتوسط 541 ألف برميل العام الماضي متراجعة من 572 ألفا عام 2004، علما بأن القارة الآسيوية تستأثر بنحو 1.34 مليون برميل يوميا من الصادرات النفطية الإيرانية التي بلغت العام الماضي 2.46 مليون برميل يوميا. وتأتي كوريا الجنوبية في المرتبة الثانية، حيث تستورد شركات 135 ألف برميل يوميا في المتوسط العام الماضي، وهو ما يعني ارتفاعا من 105 آلاف استوردتها من إيران في العام الأسبق.
أما أوروبا، فبلغ متوسط حجم الصادرات النفطية الإيرانية إليها العام الماضي 565 ألف برميل يوميا متراجعة من 620 ألفا في العام الأسبق. لكن بعض الشركات الأوروبية العاملة في مشاريع في إيران بدأت تتجه إما إلى وقف نشاطها وإما تجميده إلى الحد الأدنى إلى أن تتضح الصورة وخوفا من أن يطول أمد المواجهة بين إيران والدول الغربية وأن تنتهي إلى مواجهة تشمل عقوبات اقتصادية، الأمر الذي سيؤثر قطعا على الطريقة التي ستدار بها الأعمال في إيران.
ومع أن الشركات الأمريكية ممنوعة من العمل في إيران، إلا أن حزمة أخرى من العقوبات يمكن أن تطول الشركات الأوروبية التي ظلت حتى الآن هي البديل لتوفير التقنية المتقدمة والرساميل الأجنبية، خاصة عن طريق عقود الشراء التي تعتبر الوسيلة الوحيدة لجذب الشركات الأجنبية، إذ لا تسمح القوانين الإيرانية بنشاط أجنبي في ميدان العمليات الأمامية من تنقيب واستكشاف وحفر وتملك للحقول.
ومن الشركات التي أبدت تحفظا واضحا على الاستمرار في إيران مجموعة "بي. جي" البريطانية. وكانت قد نشطت من قبل في اتصالات تمهيدية للبدء في مشروع ضخم للغاز المسال، حيث تملك إيران ثاني أكبر احتياطي في العالم بعد روسيا، لكن التلميحات الأخيرة للشركة تشير إلى أنها لن تلزم نفسها باستثمارات ضخمة أو طويلة الأمد. والشيء نفسه ينطبق على شركة ساسول الجنوب إفريقية، التي طرحت مشروعا لتحويل الغاز إلى وقود سائل، لكنها فيما يبدو تركت الفكرة.
وتحتاج إيران إلى التقنية والاستثمارات الأجنبية للحفاظ على طاقتها الإنتاجية الحالية من ناحية، والعمل على رفعها وكذلك تطوير مكامن النفط والغاز الأخرى، وهو ما عبّر عن نفسه في شكل خطط طموحة مع مجموعة شركات أجنبية على رأسها "رويال دتش شل" الهولندية البريطانية، "توتال" الفرنسية، "ريبسول" الإسبانية، و"غاز دو فرانس".
وقال جاك سترو وزير الخارجية البريطاني في محاضرة له أمام المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية أخيرا، إن حالة عدم الوضوح السياسي بدأت تلقي بظلالها وتؤثر على المستثمرين الأجانب الذين بدأوا يعيدون النظر في مجمل أمر علاقتهم بإيران وربما التحول إلى أماكن أخرى للاستثمار فيها. وأضاف أنه على اتصال مستمر مع الشركات النفطية، التي تعرف أن تخفيض الاستثمارات أو حجبها سيكون أحد القضايا المطروحة في التناول السياسي للملف النووي الإيراني وهم يأخذون ذلك في الحسبان.
وهذا الموقف الأوروبي سيسعد واشنطن بكل تأكيد، فهو من ناحية سيساعد على بناء جبهة معارضة للمشروع الإيراني لدخول النادي النووي، وفيما إذا تعثرت جهود إصدار قرار من مجلس الأمن بسبب المعارضة الروسية والصينية لأسباب مختلفة، فإن واشنطن يمكنها السعي لإقناع دول الاتحاد الأوروبي القيام بخطوات عقابية انفرادية في شكل قرارات حظر اقتصادي، ويبدو من حديث سترو أنه تهيئة للشركات وأن هذا الاتجاه وارد وعليها وضعه في حساباتها.
وإذا كان هذا الموقف يتعلق بالمدى البعيد من ناحية الاستثمارات والمشاريع الجديدة، إلا أن بعض المؤشرات بدأت تبرز فيما يخص الإمدادات مثلا. فبصورة عامة تقدر الوكالة الدولية للطاقة أن حجم الطلب سيتعرض إلى تراجع هو الأكبر من نوعه، حيث يصل إلى 300 ألف برميل يوميا، وذلك للتأثير على الارتفاع الكبير للأسعار خلال فترة العامين الماضيين.
إحدى النتائج المباشرة لذلك أن الطلب في المنطقة الآسيوية بدأ يفقد قوة دفعه، الأمر الذي يؤثر على السوق بصورة عامة في شكل تراجع من 1.78 مليون برميل يوميا إلى 1.49 مليون، كما ورد في تقريرها منتصف هذا الشهر مقارنة بتقرير الشهر الماضي. ومع أن هذا الخفض هو الأكبر من نوعه، إلا أنه يسجل تحسنا على مستوى الطلب الذي حدث العام الماضي وكان يزيد على المليون برميل يوميا بقليل.
ومن الأسباب المؤثرة في تغيير نمط الطلب الآسيوي الاتجاه إلى رفع الدعم قليلا عن بعض أنواع المحروقات، خاصة في منطقة جنوب شرق آسيا، التي أثبتت أنها أكثر حساسية في الاستجابة إلى مثل هذا النوع من التغييرات.
من ناحية أخرى، أشارت نشرة "ميس" النفطية المتخصصة في تقديراتها لإنتاج "أوبك" الشهر الماضي إلى أنه بلغ 29.94 مليون برميل يوميا، بزيادة 670 ألف برميل عن إنتاج كانون الثاني (يناير) الماضي، وأن إنتاج الدول العشرة الأعضاء في المنظمة، عدا العراق، زاد بنحو 350 ألف برميل يوميا إلى 28.04 مليون، أو فوق السقف الرسمي وهو 28 مليون برميل يوميا المعتمد منذ تموز (يوليو) الماضي.
ووفق تقديرات "ميس" فإن إيرن تمكنت من زيادة إنتاجها إلى 4.01 مليون مقارنة بـ 3.65 مليون في كانون الثاني (يناير) و3.89 مليون في كانون الأول (ديسمبر)، وأنها صدّرت 2.49 مليون برميل الشهر الماضي وزودت المصافي المحلية بنحو 1.52 مليون بميل، علما أن "الكوتا" الرسمية لإيران تبلغ 4.1 مليون.
لكن المركز الدولي لدراسات الطاقة، الذي أسسه ويترأسه وزير النفط السعودي الأسبق أحمد زكي يماني، له تقديرات مختلفة، حيث يشير إلى أن الإنتاج الإيراني بلغ الشهر الماضي 3.88 مليون برميل، متراجعا قليلا من 3.91 مليون تم إنتاجها في كانون الثاني (يناير). ويرى المركز أن الطلب القوي الآسيوي خلال فصل الشتاء يعود إلى أن ذلك الفصل كان أبرد مما كان متوقعا، الأمر الذي دفع إلى اللجوء إلى المخزونات خاصة في اليابان وكوريا الجنوبية، وأن الوضع سيكون مرشحا للتغيير في الربع الثاني من هذا العام.
ويتفق المركز مع الاتجاه العام للوكالة الدولية للطاقة في الإشارة إلى دور الأسعار العالية في خفض النمو في الطلب. ويضيف في تقريره الشهري الأخير أن النمو الاقتصادي العالمي الكبير يفترض أن يترجم في شكل نمو على الطلب في حدود 2 إلى 2.5 في المائة، لكن الأسعار العالية التي ارتفعت بنحو 40 في المائة خلال فترة عام واحد أثرت على ذلك بشكل رئيسي. لكن من الناحية الأخرى فإن الاتجاه التنازلي الذي شهده الطلب العام الماضي عندما كان كل ربع يحقق تراجعا في الطلب على الربع الذي سبقه قد توقف، ويتوقع المركز أن يحقق الطلب نموا يبلغ هذا العام 1.5 في المائة.