سوق المال السعودية والهفوات المتتالية... من المسؤول؟
كثر الحديث عن الخسائر التي تكبدها المضاربون وصغار المستثمرين في الأسهم بسبب النزول الكبير لأسعار الأسهم على خلاف ما كان يتوقعون نتيجة المضاربات السابقة، وذلك بعد أعمال قرار هيئة سوق المال السعودية بشأن تعديل نسبة التذبذب اليومي إلى (5 في المائة), وقد كان هذا التغير في الأسعار مفترضاً لأن القرار هدف إلى الحد من ارتفاع أسعار الأسهم العشوائي الذي لا يمثل التعامل المتزن، وكان من الواجب التنبه لآثار إعمال القرار بروية وتعقل واتزان من قبل المضاربين الكبار الذين أوجدوا هذا الارتفاع في أسعار أسهم شركات لم تكن تحقق عائداً ربحيا, وكان المحللون الماليون يحذرون من ارتفاع أسعار أسهم بعض الشركات التي مراكزها المالية ضعيفة, وهذا أمر مذهل ولافت لانتباه كل ذي بصر وبصيرة لكن الطمع يعمي مما جعل بعض المضاربين والمستثمرين الصغار ينساقون وراء هذا الارتفاع بالبيع والشراء وهم غير مدركين للعواقب والنتائج السلبية عند توجه هيئة السوق المالية إلى أي إجراء يهدف إلى تصحيح الوضع بالحد من ارتفاع أسعار الأسهم فكان هذا الإجراء بإصدار قرار تعديل نسبة التذبذب اليومي للأسعار حتى تتوقف المضاربات العشوائية غير المدروسة.
ولا شك أن قرار هيئة سوق المال قد قام بدور مهم في تصحيح الوضع في التعامل بالأسهم, ولكن العتب على الهيئة أنها قد تأخرت كثيرا جدا في إصدار هذا القرار إذ كان من المفروض اتخاذه من وقت ظهور ارتفاع أسعار بعض الشركات غير الرابحة وبشكل لافت للنظر مما يمكن للشخص المدرك أن يصف ما يحصل بأنه عمل أو تصرف يؤدي إلى إيجاد انطباع كاذب أو مضلل يوحي بوجود عمليات تداول نشط في أسهم على خلاف الحقيقة وهذا يعد مخالفة كما نص على ذلك نظام السوق المالية في الفصل الثامن ( المادة/ 49 ), وقد سبق لي أن أكدت في مقال نشر سابقا أنه يفترض أن توقف أسهم الشركات غير الرابحة من التداول حتى تحقق أرباحا فضلا عن ذلك كان يتعين على المستثمرين غير المضاربين التنبه لما يحصل وعدم المغامرة في تعاملات في أسعار أسهم شركات غير رابحة أو أرباحها ضئيلة لأن مثل هذه الشركات لا يمكن أن تصل أسعار أسهمها إلى أرقام خيالية لا تعكس الوضع الصحيح عن الشركة عند النظر إلى رأس مالها, وعوائدها وأصولها الثابتة والمنقولة من خلال التقارير السنوية , ومسؤولية ما تكبد من الخسائر وما حصل من وقائع كتب عنها ـ إن كانت صحيحة ـ فإن المضارب والمستثمر غير الفطن يتحمل المسؤولية لأن ما أقدم عليه كان بإرادته المنفردة ما لم يثبت أن هناك طرفا آخر قد ارتكب مخالفات بالاحتيال عليه بغش أو تدليس أو نجش أو أي عيب آخر من عيوب الرضا فإنه يستطيع إقامة دعوى ضده شريطة وجود أدلة ثبوتية على كل ما يدعى به ضد الطرف الآخر.
أما هيئة السوق المالية ـ ففي تقديري ـ أنه قد حصل منها خطأ يتمثل في تأخرها في إصدار قرار تعديل نسبة التذبذب بشكل كبير إلى وقت ارتفعت فيه أسعار الأسهم ارتفاعاً كبيرا وغير حقيقي مما جعل نتائج تطبيق القرار يؤدي إلى ذلك الانخفاض الموجع والمضر بكثير من المستثمرين حسني النية . ولكن بالنسبة للمضاربين الكبار فإن خسائرهم تمثل نسبة بسيطة من الأرباح الكبيرة التي حصلوا عليها من المضاربات بذكاء ودراية ومعرفة بحالة السوق ووضع الشركات والبنوك, وكنت أتمنى لو أن هيئة السوق المالية عندما فكرت في تعديل نسبة التذبذب لتصحيح الوضع ألا تتأخر في إصدار قرارها وما دامت قد تأخرت فعلاً فكان يفترض بفكر واع أن يكون التخفيض بشكل تدريجي إلى نسبة (8 في المائة) ثم إلى (7 في المائة) ثم إلى (5 في المائة) حتى لا يتضرر صغار المستثمرين حسني النية الذين بعضهم ربما كان يستثمر بمبلغ وفره من دخله المحدود, أو اقترضه أو بثمن عقار باعه إن لم يكن مسكنه الخاص أو سيارته ولابد لهيئة السوق المالية أن تحاول معالجة الوضع إذا استمر هذا الارتباك في السوق طويلا, ولم يتم تصحيح التداول في السوق المالية بتعاملات متزنة وهادئة تحقق أرباحا حقيقية بعيدة عن المبالغة أو أية مخالفات محظورة بموجب نظام السوق المالية واللوائح التنفيذية, أقول إن استمرت السوق طويلا في عدم الاستقرار والتصحيح فلابد من تعديل نسبة التذبذب برفعها إلى (7 في المائة) لفترة من الزمن ثم تخفض إلى (5 في المائة) فيما بعد وهكذا يتعين أن تكون القرارات الهادفة إلى التصحيح تتسم بتعقل وروية وبعد نظر وتوقع كل الاحتمالات التي يمكن أن تحصل فتؤخذ في الحسبان لتلافي كل السلبيات المتوقع حصولها. والله الموفق إلى كل خير وسداد في الأهداف المنشودة لتلافي الأضرار والخسائر التي تحل بالمستثمرين الصغار وغيرهم من حسني النية, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عضو مجلس الشورى