ذات النهج
يوم الأربعاء الماضي أطلقت السوق تحذيرا بتراجع أسعار النفط بما يزيد على دولار ونصف الدولار إثر ورود الأنباء عن قرار منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" الإبقاء على السقف الرسمي والاسمي البالغ 28 مليون برميل يوميا، في الوقت الذي يزيد فيه إنتاجها عن ذلك المعدل بنحو المليوني برميل.
وعبر العالم ومن عاصمة الولايات المتحدة واشنطن وردت الأنباء استنادا إلى التقرير الأسبوعي لإدارة معلومات الطاقة أن مخزونات النفط حققت في الأسبوع الأسبق الذي تعرض له التقرير زيادة بلغت قرابة أربعة أضعاف ما كان يتوقعه السوق ومحللوها. لكن تعامل المنظمة كان ولا يزال هو التصرف بذات النهج المتكرر والرهان على عامل الوقت.
ومع أن قوانين العرض والطلب عادت لتؤدي دورها ولو بصورة محددة ومحدودة، إلا أن طغيان العامل السياسي والأمني لا يزال هو الأبرز تاثيرا. ويكفي أن العاصمة النمساوية فيينا التي اجتمع فيها وزراء "أوبك" لاتخاذ قرارهم بعدم خفض الإنتاج، كما تطالب فنزويلا، تستضيف كذلك مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يبحث في شأن الملف الإيراني، حيث كان مندوب طهران يلمح باللجوء إلى خيار وقف الصادرات النفطية.
وبسبب التوترات المتصاعدة من نيجيريا إلى الوضع في العراق وعلامات التساؤل التي تلف الموقف الإيراني فيما إذا تعرضت إلى عقوبات من مجلس الأمن، فإنه حتى مع الخسارة التي شهدها سعر البرميل إلا أنه لا يزال فوق 60 دولارا، وهو ما جعل الكثير من الوزراء يشعرون بالراحة على الأقل لعدم تصاعد الأسعار إلى معدلات أعلى من ذلك لا يستطيعون كبح جماحها. وأهم من هذا أن الوضع الحالي يساعد المنظمة على تجنب الخوض في بحث مسائل ليست مطالبة باتخاذ قرار آني فيها.
والإشارة هنا إلى وضع النطاق السعري، حيث ألغي العمل رسميا بهذا النظام القديم. وكانت المنظمة تستهدف سعرا يتراوح بين 22 و28 دولارا للبرميل وتسعى جاهدة للحفاظ عليه في هذا الإطار. لكن في كانون الثاني (يناير) من العام الماضي اتضح أن ذلك النطاق السعري لا صلة له بواقع السوق، إذ أن المبادلات التجارية تجاوزته بصورة كبيرة، وهو ما فتح الباب أمام إعلان وفاته رسميا منذ ذلك الوقت ودون الإعلان عن بديل جديد. وفي واقع الأمر ما دام المستهلكون قادرين على التعايش مع المعدل الحالي فوق 60 دولارا، فإن البعض أصبح يرى فيه سعرا عادلا.
على كل البديل المنتظر يتطلب الاتفاق على معدل جديد، وهو ما تتضارب حوله آراء الدول الأعضاء. فلفترة طويلة ظل الطلب في حالة من النمو، إذ يتوقع له أن يبلغ هذا العام 2.2 في المائة إلى نحو 85 مليون برميل يوميا، وذلك مقابل نسبة نمو بلغت العام الماضي 1.1 في المائة، ولو أن عام 2004 شكل حالة لافتة للنظر بمعدل النمو الكبير الذي بلغ 3.8 في المائة. ويضاف إلى هذا اتساع نطاق التوترات التي تحيط بالعديد من البلدان المنتجة للنفط، وبالتالي انتشار بيئة من عدم اليقين والوضوح يقدر المهندس علي النعيمي أنها مسؤولة عن نحو 15 دولارا من السعر الحالي.
من الناحية الأخرى، فإن وضع المخزونات الأمريكية أصبح يشكل عنصر ضغط يتنامى باستمرار، إذ تجاوزت مخزونات النفط الخام المعدل الذي كانت عليه العام الماضي بنحو 10 في المائة، وهو عامل كان يمكن أن يشكل دافعا قويا لحدوث إجماع بين الوزراء على خفض الإنتاج في اجتماع اليوم الواحد، الذي أصبح سمة لاجتماعات "أوبك". فتجارب المنظمة مع المخزونات تحمل معها كوابيس غير سارة للدور الذي لعبته في الضغط على هيكل الأسعار وربما انهياره كما حدث في مرات عديدة تزامن فيها تراجع الطلب مع نمو في حجم المخزونات. بل إن مسؤولا مثل الوزير الكويتي الشيخ أحمد الفهد كان يعتقد أن على "أوبك" خفض إنتاجها الفعلي بنحو المليوني برميل يوميا وذلك في أول حديث له عقب إعادة تعيينه في منصبه في الحكومة الجديدة.
لكن في الوقت الذي تظل فيه الأسعار محلقة فوق 60 دولارا، فإن المنظمة تجد من الصعب عليها القيام بخطوة مثل هذه تتصادم مع صورتها الإعلامية العامة. وهكذا تغلب الهم الإعلامي وتصرفت "أوبك" بمنطق العلاقات العامة، وبالعودة إلى ممارستها المحببة في عدم اتخاذ خطوة ليس مطلوبا منها القيام بها بصورة ضاغطة إلى جانب اللعب على عامل الزمن الكفيل بحلحلة القضايا.
اجتماع المنظمة التالي مقرر له أن يتم في حزيران (يونيو) المقبل، ولو أن البعض يعتقد أنه سيكون هناك اجتماع طارئ قبل ذلك، خاصة في حال حدوث تدهور ملحوظ في الأسعار، ولو أن المؤشرات السياسية والأمنية التي أصبح لها القدح المعلى فيما يتعلق بمعدلات الأسعار لا تنبئ بحدوث شيء في المستقبل المنظور، الأمر الذي يشجع على الاستمرار في النهج الحالي.