تعويض المتضررين... مجرد أمل

ليس هناك شك في تضرر الكثير من المتعاملين في سوق الأسهم نتيجة الانخفاض الشديد في الأسعار منذ أن تبنت هيئة السوق المالية تغيير نسبة التذبذب إلى 5 في المائة فقط والذي صاحبه أيضا تعطل في نظام التداول أدى إلى وقف عمليات التداول أو تأخير تنفيذها. ولأن الضرر لا يجبره سوى التعويض فإن من الواجب قبل تقرير الحق في التعويض أن يتم بحث أساس الحق في التعويض لإثبات المسؤولية أولا فلا يلتزم أحد بالتعويض قبل أن يتم تحميله مسؤولية فعل غير مشروع قام به وترتب عليه ضرر لآخرين سواء كان ذلك الضرر جسيما أو ضئيلا.
إن جميع المتعاملين في السوق يعلمون علم اليقين أن هناك مبالغة عالية في الأسعار وأنها لا تعكس القيمة الدفترية للسهم كما أنها ناتجة عن وجود مضاربة مستمرة لرفع قيمة السهم وجني الأرباح والتي هي فرصة للمضارب والمستثمر. وهذا السلوك الذي دأب عليه المضاربون والمستثمرون على اختلاف ملاءتهم المالية ما هو إلا نوع من النجش المعروف في أحكام فقه المعاملات الإسلامية والمنهي عنه لأنه مزايدة على السعر لرفع القيمة بما يفوق السعر المناسب أو الحقيقي أو العادل. والسؤال الذي يطرح نفسه من هو المتعامل في سوق الأسهم اليوم الذي يجهل حقيقة ما يجري وتلك المبالغة في الأسعار؟ وأين هو ذلك المتعامل الذي لم يسهم بصورة أو بأخرى في حث الأسعار على الارتفاع بل إن المحافظ والصناديق التي تديرها البنوك لعملائها تمارس هذا الدور حتى تبدو للمراقب العادي بأن كل من في السوق مسؤولون بدرجات متفاوتة عن حال السوق.
وربما لا يكون من الواقعية في شيء أن يبادر البعض إلى إلقاء اللوم على الجهة الإشرافية التي اتخذت وتتخذ قراراتها التنظيمية في جو من الشفافية والعلنية التي تعكس الواقع أنها لا تتدخل بقدر ما تنظم قواعد وآليات التداول، إضافة إلى التوعية التي لا تجد صدى لدى المتعاملين في السوق، فالجميع يهرولون دون حساب للمخاطر التي قد يتعرضون لها في سوق تصعد إلى الأعلى دون مبرر في أداء الشركات أو ملاءتها المالية.
لقد نادى البعض بقوة نحو إلغاء نسب التذبذب وترك الأسعار دون حاجز في تداول اليوم الواحد ومع ذلك فإن الجهة الإشرافية لم تأخذ بذلك بل سعت إلى حماية السوق أولا وتفادي تضرر المتعاملين فقلصت نسب التذبذب، وهذا مؤشر على أن للهيئة دورا في الحماية ولكن ليس من المنطقي أن نطالب الهيئة بأن تكون ضامنا لتعويض كل من يخسر بالرجوع على المخالفين ذلك أن انخفاض الأسعار أو صعودها لا يرجع إلى سبب واحد وهو التحايل ومخالفة القانون. كما أن المخالفات ليست على درجة واحدة من الجسامة وإحداث الضرر.
إن للمتضررين دورا أساسيا في إلحاق الضرر بأنفسهم فهم مخاطرون أذكياء لا يسألون عن سبب الربح ولكنهم يبادرون إلى السؤال وطلب المحاسبة عندما يخسرون. وهل كان هناك ربح لا يأتي على حساب متداول آخر؟ من هنا فإن التعويض ليس بديلا للوعي وتحمل المتعامل مسؤولية خسارته أو ضياع مدخراته فهو لم يتعرض لنصب أو احتيال بل دخل إلى سوق ضخمة لها مخاطر عالية وأيضاً له مكاسب عالية وليس للإنسان أن يتقاضى حين يكون مستفيدا ثم يتحول إلى مدع للضرر حينما يخسر.
ولعل الدروس المستفادة في الأسبوعين الفائتين كافية لفهم ما يجب على الإنسان فعله إزاء نفسه، فالتوخي والحذر لا ينجيان من القدر ولكنه قد يجنب الضرر أو يخفف منه، وخصوصا عندما لا يخفى على أحد المخاطر السوقية ولعل أهمها ذلك العامل النفسي الذي أصبح يلعب دورا مهما في الأسعار وتلك الشائعة التي لا يخفى أثرها ومصادر المعلومات التي حذرت منها الهيئة في أكثر من وسيلة إعلامية.
إن إقناع المتضررين بأحقيتهم في التعويض يفتح الباب على مصراعيه ليؤدي إلى حالة من خداع النفس في حق غير ثابت ويساعد على زيادة الدعاوى غير الناجحة في حين أن التأكيد على تحميل كل مضارب أو مستثمر مسؤوليته. ويبقى دور الهيئة في ضبط المخالفات وإيقاع العقوبات وفق نصوص النظام وحسبما تراه الهيئة مناسبا. وعلى من يدعي حقا خاصا أن يبادر إلى تحديد خصمه وتقديم الأدلة وتحمل المسؤولية وأتعاب المحاماة لو فشلت دعواه.

* محام ومستشار قانوني

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي