متغيرات ومتابعات

 متغيرات ومتابعات

من موريتانيا في غرب القارة الإفريقية إلى بليز في أمريكا الوسطى يتزايد عدد منتجي النفط الذين قاربت عضويتهم 120 دولة، ويكسب نادي مصدري النفط أعضاء جددا رغم أن كل المنتجين لا يصدرون خاماتهم، بل وبعضهم لا يكفي إنتاجه لمقابلة استهلاكه المحلي. والنموذج الأبرز كل من الولايات المتحدة والصين وهما منتجان قديمان للنفط، لكنهما يحتلان اليوم مرتبة أول وثاني أكبر مستورد للنفط في العالم.
تأتي هذه الإضافات في الوقت الذي يتزايد فيه الحديث عن بلوغ الإنتاج النفطي ذروته، الأمر الذي يؤذن بنهاية العصر النفطي، ومن المؤشرات على ذلك عدم اكتشاف حقول ضخمة خلال فترة العقود الثلاثة الماضية رغم تنامي الاستهلاك ليصل إلى 84 مليون برميل يوميا.
مثل هذه الأحاديث شهدتها الساحة من قبل وانتهت إلى ما ينتهي إليه الجدل الدائري عادة، أي لا شيء. وفي تقدير لدانييل يرجن مؤلف كتاب "الجائزة"، الذي لخص فيه تاريخ صناعة النفط خلال 150 عاما، فإن هذه قد تكون المرة الرابعة أو الخامسة التي يتردد فيها الحديث عن نهاية عصر النفط.
آخر هذه المرات كانت حقبة السبعينيات، التي أعطت الفرصة لتداول عبارة أن النفط سلعة ناضبة وذلك لتبرير وتفسير لماذا يصبح سعرها مرتفعا. لكن مطلع العقد التالي شهد تراجع الطلب وقيام منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) بالعمليات الجراحية المؤلمة من خفض للأسعار وللسقف الإنتاجي في إطار حصص متفق عليها وذلك للدفاع عن هيكل الأسعار.
إحدى النتائج التي أبرزتها حقبة الثمانينيات أنه أصبح يكتشف نفط أكثر مما يستهلك. الاحتياطيات النفطية العالمية الموجودة اليوم تقدر بنحو 1.2 تريليون برميل. ومنذ مطلع السبعينيات حتى اليوم استهلك نفط أكثر مما كان معروفا من احتياطيات وقتها. فالتقدم التقني جعل من اليسير الولوج إلى مناطق لم تكن في الوارد استخراج النفط منها. وتحسن وضع الأسعار دفع بالكثير من الشركات الصغيرة والمستقلة إلى القيام بمخاطرات في مناطق لا تغري الشركات الكبيرة والراسخة بالعمل فيها. نتاج هذا كله أصبح واضحا في قائمة الدول المنتجة للنفط التي تتزايد باستمرار.
وفي واقع الأمر، فإنه مع أهمية متابعة أمر الاكتشافات النفطية الجديدة ومؤشرات الاستهلاك ووضع الاحتياطي، إلا أن هناك جوانب أخرى تحتاج إلى الالتفات إليها لأنها أكثر أهمية وتأثيرا في الواقع المعاش. وعلى رأس هذه ضعف المعلومات المتداولة عن الصناعة النفطية في جوانب العرض والطلب، وهو الضعف الذي يدفع وزراء المال في الدول الصناعية الرئيسية إلى التنبيه إليه من حين لآخر، والدعوة إلى عمل شيء تجاهه دون حدوث تقدم ملموس في هذا الاتجاه. فإذا لم تتوافر معلومات يعتد بها عن قضايا العرض والطلب، وهي قضية عاجلة، فمن باب أولى ألا يكون الحديث عن الاحتياطيات، وهي قضية آنية وبكل سجلها السابق في التضارب المعلوماتي، ما يجعلها تقفز إلى الصدارة.
ثم هناك المتغيرات التي تؤثر في مناطق وأنماط الاستهلاك، فالدول الغربية وأوروبا تحديدا لم تعد المستهلك الرئيسي للنفط، وذلك لأسباب تتعلق بزيادة فاعلية استخدامها للطاقة من ناحية، والتركيز على مصادر أخرى للطاقة مثل الغاز والهموم البيئية، لكن فوق هذا كله هناك العنصر الديموغرافي، إذ يتجه سكان القارة إلى التناقص بكل ما يعنيه ذلك من انعكاسات سياسية واستراتيجية واقتصادية ومن بينها استهلاك النفط.
والعامل الديموغرافي لا يتجه إلى البروز بسبب التراجع في أعداد السكان فقط، وإنما في زيادتهم وفي أماكن أخرى أصبحت تحتل مكانة تزداد أهميتها يوما بعد يوم. والإشارة بصورة خاصة إلى الدول الآسيوية التي أصبحت أهم سوق استهلاكية للنفط الخام وذلك بسبب اضمحلال الطاقة الإنتاجية داخل القارة، وعدم قدرتها على تلبية ما تحتاجه دولها، ثم هناك النمو السكاني الكبير، الذي يصاحبه من الناحية الأخرى دخول أعداد متزايدة من السكان إلى البيئة الحديثة ولجوؤهم إلى وسائل المعيشة التي تعتمد على الطاقة الإحفورية وسيلة لتسيير الحياة.
وتمثل الصين خير نموذج في هذا الصدد، فتراكم سنوات من الانفتاح الاقتصادي أدى إلى بروز طبقة وسطى متنامية لا يقل عددها عن 400 مليون نسمة تتطلع إلى اقتناء سياراتها الخاصة والسفر جوا، وهو ما يحتاج إلى طاقة نفطية لتلبيته. والشيء نفسه يتكرر بصور مختلفة في الهند، كوريا الجنوبية، الأرجنتين، البرازيل، وغيرها.
وخلاصة الأمر أن هناك بيئة جديدة تتشكل من أبرز عناصرها حدوث تغيير في موازين الاستهلاك وبروز منتجين جدد ومع صغرهم إلا أنه سيكون لهم تأثيرهم كون السوق النفطية دولية بكل معنى الكلمة، وما يجري في جزء منها يؤثر في الآخرين في نواحي الإمدادات والأسعار. وهذا العامل القديم المتجدد أصبح أكثر وضوحا مع تمدد عنصر العولمة، وبالتالي يحتاج إلى عناية ومتابعة أكبر.

<a href="mailto:[email protected]">E-Mail@E-Mail.com</a>

الأكثر قراءة