مزارعو الخضار.. بين تحديات المنافسة وغياب الجمعيات التعاونية

مزارعو الخضار.. بين تحديات المنافسة وغياب الجمعيات التعاونية

يعاني الكثير من المزارعين في المملكة عموما وفي المنطقة الشرقية خصوصا من جراء انفتاح الأسواق الخارجية على أسواق المملكة وخصوصاً (أسواق الخضار) الأمر الذي يؤدي إلى زيادة العرض على الطلب مما يؤدي بدوره إلى تدني أسعار منتجاتهم إلى درجة لا يستطيعون فيها استرداد قيمة استثماراتهم في مزارعهم ومنتجاتهم فضلاً عن الحصول على فوائد تمكنهم من تغطية نفقاتهم الباهظة ودفع أجور العمالة والبذور والبلاستيك (للبيوت الزراعية) وفواتير الكهرباء الباهظة الثمن بسبب المضخات المستخدمة للري وصناديق (الفلين) المستخدمة للتعبئة والمبيدات الحشرية والمقويات الكيمائية والأسمدة ووقود السيارات والمعدات الزراعية وتكاليف صيانتها إلى آخر ذلك من القائمة الطويلة من المصروفات التي يقابلها في الطرف الآخر قائمة صغيرة جداً تكاد لا تذكر من المدخولات.
لقد تشجع الكثير من المزارعين على التوسع في مجال الزراعة وذلك من خلال توسيع نشاطاتهم الزراعية بشراء أراض أكبر واستصلاحها وإنفاق الأموال أكثر لاستقدام العمالة وشراء الآلات والمعدات الزراعية وذلك من جراء الانتعاش الاقتصادي للنشاط الزراعي الذي شهدته المملكة خصوصا في فترة الثمانينيات الميلادية. وبسبب تدفق الخضراوات والفواكه على أسواق المملكة من كل حدب وصوب من جراء اتفاقية "الجات" وغيرها خصوصا في آخر عشر سنوات، أصبحت الغالبية العظمى من المزارعين الذين أنفقوا جميع مدخراتهم ومكاسبهم التي جمعوها بالصبر والتعب والكد والشقاء على مدى عقود من الزمن على مزارعهم، أصبحوا بعد كل هذه التضحيات مثل الريشة في مهب الريح، فمن لم يقاوم منهم باع أرضه بأبخس الأثمان، ومن قاوم تحمل الديون من أخمص قدميه إلى أعلى رأسه، ومن رفع منهم الراية وأعلن الاستسلام (الآن) لم يجد من يشتري أرضه.
كل هذه المأساة حدثت قبل أن تنضم السعودية إلى عضوية منظمة التجارة العالمية التي ستفتح على أثرها (بعد انضمامنا إليها أخيرا) أبواب جميع أسواق المملكة المختلفة لجميع الدول الأعضاء في المنظمة بكل تقنياتهم وإمكانياتهم. السؤال هنا.. ما هو مصير هؤلاء المزارعين البؤساء في الأيام القادمة؟ هل ينتظرون الموجة العاتية التي ستأتي لهم من اتجاهات الدنيا الأربعة لكي تمطرهم وتذهب آمالهم وأحلامهم أدراج الرياح؟ أم أنها ستكون بارقة أمل لهم بعد كل هذه التضحية والمعاناة.
في ظل هذه الصورة القائمة لأوضاع هؤلاء المزارعين الذين تتحكم بهم العشوائية في الإنتاج بسبب عدم وجود جمعية زراعية (فاعلة) تنسق فيما بينهم، وعليه فإني لا أعتقد أن يكون انضمام المملكة إلى المنظمة في صالحهم إذا بقي الحال على ما هو عليه الآن. إذ لابد أن تكون هناك جمعية زراعية في كل منطقة على الأقل تنسق فيما بين المزارعين من حيث كميات الإنتاج والأصناف لكي لا يكون هناك إغراق dumping في السوق للمنتجات الزراعية نفسها في الوقت نفسه، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى زيادة العرض فيقل بسببه الطلب تلقائياً وهنا تكمن المشكلة، ويجب أن يردع المزارعون غير الملتزمين بالنسب المتفق عليها وذلك بإيقاف الاستقدام عنهم مثلا.
جميع الكيانات الاقتصادية المتوسطة والصغيرة تحث وتسعى إلى تكوين تكتلات اقتصادية تحد فيما بينها لكي تستطيع البقاء والمنافسة في السوق بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، ومن أهم هذه القطاعات البنوك التي تحكمها أنظمة وزارة التجارة ووزارة المالية ومؤسسة النقد وهيئة سوق المال، فما بالك بالمزارع والمزارعين؟ من الذي سيحميهم ويحمي استثماراتهم وهم بهذا الشتات والعشوائية؟
من المشاكل التي يعاني منها المزارعون في الآونة الأخيرة استخدام الأيدي العاملة، إذ ينفق صاحب المزرعة آلاف الريالات ويضع أمله بعد الله سبحانه في استرداد بعض من خسائره بالاعتماد على مدخول موسم الحصاد المنتظر، ولكنه يفاجأ بأن الله قد وفقه في إنتاج المحصول وتمكن من تجاوز العواصف الرملية والأمطار وأمراض النباتات المختلفة.. إلخ ولكنه في النهاية لا يجد من يجني محصوله ويعبئه إما بسبب قلة العمالة المسموح له باستقدامها أو بسبب هروبها من كفيلها لكي تتلقفها أيدي أناس لا يخافون الله وليس لديهم حس وطني أو غيرة على الوطن ودخله القومي، ويشغلونهم معهم بشكل غير شرعي، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى موت المحاصيل وهي في أشجارها. وعندما يذهب المزارعون إلى مكتب العمل بأوراق التبليغ أو بأوراق الخروج النهائي فإنهم لا يحصلون على أكثر من 10 في المائة من متطلباتهم واحتياجاتهم وذلك بعد الكثير من العناء ومضيعة الوقت. لذلك من المأمول من وزارة العمل أيضا وبالتعاون والتنسيق مع وزارة الزارعة مساعدتهم في هذا الصدد.
الأمر الآخر، هو أنه لا بد أن يعاد النظر في الاتفاقيات الدولية لاستيراد الخضراوات إلى أسواق المملكة، إذ يجب أن تكوّن لجنة من قبل وزارة الزراعة ووزارة التجارة والصناعة لعمل دراسة إحصائية تقف على المتطلبات الفعلية والكميات المطلوبة للمنتجات الزراعية الضرورية واستيرادها إلى أسواق المملكة (خصوصاً الخضراوات) التي تنتج في مزارع المملكة، إذ لا حاجة لاستيرادها من الخارج إذا كان الإنتاج الداخلي يفي بالغرض من حيث الكم والكيف. أيضا لا بد أن يتم تشجيع تصدير المنتجات الزراعية إلى الخارج وذلك عبر إنشاء مكتب تنسيق، وأن يلاقي كل الدعم المطلوب من الجهات المعنية. ولا بد أن ننظر إلى منظمة التجارة العالمية على أنها أداة للتصدير والاستيراد والتبادل المشترك وليست أداة للاستيراد فقط.
أتمنى أن تجد هذه الاقتراحات آذانا صاغية من قبل المعنيين علها تساعد في إيجاد حلول ناجعة لهؤلاء المزارعين البؤساء الذين ينتظرون الفرج كما ينتظر الغريق المتعلق بقشة في عرض البحر سفينة تنتشله من الغرق والموت المحقق. ربما يظن البعض أنني قد بالغت كثيراً فيما طرحت وأعطيت الموضوع أكثر من حجمه، ولكن للأسف أن ما ذكرته ما هو إلا غيض من فيض من الواقع المرير الذي يعاني منه المزارعون المساكين ومن لم يصدق كلامي فلينزل بنفسه ويسأل المزارعين عن ذلك!!

الأكثر قراءة