في انتظار جدول الأعمال

في انتظار جدول الأعمال

ملامح جدول أعمال لحوار يمكن أن يكون مثمرا بين منتجي النفط ومستهلكيه بدأت ترتسم في الآفاق. هذا هو الانطباع الذي يخرج به قارئ اللقاء الصحافي الذي أجرته نشرة "ميس" النفطية المتخصصة في عددها الأخير مع كلود ماندل المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة. فالمسؤول الغربي يتحدث عن مشروعية طرح المنتجين تساؤلهم عن لماذا ينفقون الأموال الطائلة رفعا لقدراتهم الإنتاجية في الوقت الذي يخطط فيه المستهلكون لخفض اعتمادهم على النفط عموما ونفط منطقة الشرق الأوسط تحديدا؟
ويضيف قائلا بوضوح إن تنويع الإمدادات من أهداف أنشطة الوكالة وحثها الدول الأعضاء على القيام بخطوات ملموسة، كما أنها تسعى إلى زيادة فاعلية استخدام النفط حتى من خلال ما هو متاح من تقنيات أو وسائل إجرائية، وأن الوكالة تسعى إلى رفع الوعي الاستهلاكي بهذه الجوانب وذلك في مواجهة أسلوب ترك الأمور تجري كالعادة، وأن القيام بتحركات عملية في هذا الجانب يمكن أن يسهم في خفض الاستهلاك بنسبة 15 في المائة بحلول عام 2030، وهو ما يمكن أن يعادل 13 مليون برميل يوميا. هذا بالطبع إلى جانب تكثيف الجهود لاكتشاف تقنيات جديدة وتحويلها من المختبرات إلى الاستخدام التجاري.
إلى جانب هذه العناصر التي ترسم صورة ليست جديدة ولا غائبة عن بال مخططي السياسات في الدول المنتجة، يبقى للنفط دوره في تلبية احتياجات المستهلكين للطاقة. وقيمة حديث ماندل أنه وضع نقاطا على الحروف، إلى جانب اعترافه بحقوق المنتجين في معرفة ما يدور في نادي المستهلكين، الأمر الذي يتطلب تناولا لقضيتين: جانب السياسات والآليات.
بالنسبة للأولى هناك القرارات السياسية الخاصة بتقليل الاعتماد على النفط ونفط منطقة الشرق الأوسط تحديدا، وبالنسبة للثانية هناك الوضع المتعلق بالأرقام والإحصائيات والحاجة إلى رسم صورة دقيقة للتوقعات الخاصة بالطلب.
وإذا كان الجانب الغربي عموما تتوافر فيه إحصائيات جيدة، إلا أن المفارقة أن السوق النامية وفي طريقها لتصبح سوقا رئيسية لاستهلاك النفط إنما هي السوق الآسيوية. وإلى جانب حقيقة أن أكبر دولتين تتميزان بالنمو الكبير في استهلاك النفط، وهما الصين والهند ليستا عضوتين في الوكالة، فإن نوعية وسرعة تدفق المعلومات منهما حول الاستهلاك والنمو الاقتصادي تبدو متخلفة إلى حد بعيد، لذا فليس غريبا أن تحدث مفاجأة في عام 2004 بسبب النمو غير المعهود في الطلب بسبب الصين، وهو ما لم يكن في حسبان أحد.
والأمر كذلك فإن الوكالة وحدها لن تستطيع عمل شيء، ما لم تمد يدها إلى المنتجين ومن خلال آليات أخرى مثل منتدى الطاقة الدولي في الرياض ومبادرته في تحسين وسائل جمع وتدفق المعلومات بين المنتجين والمستهلكين، وذلك حتى تتحسن الصورة تجاه ما يجري في هذين القطرين وفي الساحة الآسيوية بصورة عامة.
ميزة حديث ماندل أنه ينتقل من العموميات إلى جوانب محددة وعملية، كما أنه يعترف بالحاجة إلى المنتجين في المستقبل المنظور. فقضية مثل وقف الإمدادات الإيرانية لأي سبب من الأسباب يمكن للسوق التعامل معها من خلال مخزونات الدول الأعضاء، لكن لفترة قد لا تتجاوز العام ونصف العام، ويبقى الخطر الكبير في تدني الطاقة الإنتاجية الفائضة، والسبيل إلى رفعها يعود إلى المنتجين أنفسهم. كذلك هناك الحاجة إلى تعاون فيما يخص زيادة حجم الطاقة التكريرية، وهو ميدان يمكن للمنتجين أن يلعبوا فيه، بل إنهم بدأوا فعلا من خلال المشاريع التي تخطط لها السعودية ووصلت إلى مراحل متقدمة.
خلاصة الأمر أن في حديث ماندل هذا ما يمكن أن يرفعه إلى درجة المبادرة التي تستحق الرد عليها وطرق الحديد وهو حام، الأمر الذي يضع الكرة في مرمى المنتجين ويدفعهم إلى التحرك. وهذا التحرك المنتظر إما أن يكون على أساس فردي من قبل بعض الدول المنتجة وترتيباتها لمشاريع معينة بالاتفاق مع مستهلكين كما يحدث في العادة، وإما من خلال منظمة أوبك، التي تبنت لها استراتيجية بعيدة الأمد تضع من بين أهدافها تلبية احتياجات المستهلكين والحوار معهم لمعرفة ما ينبغي عليهم دفعه للحصول على احتياجاتهم من النفط.
وقد تكون البداية العملية والممكنة قيام مجموعة مختارة بإجراء الاتصالات الأولية لبلورة جدول أعمال. وليس شرطا أن تقتصر المجموعة المختارة على أعضاء في "أوبك" أو الوكالة الدولية للطاقة، وإنما حتى مستهلكين رئيسيين مثل الصين والهند ومنتجين مؤثرين مثل روسيا أو النرويج يمكن أن يكونوا أعضاء فيها، فالمهم وجود قوى قادرة على التأثير في السوق، أكثر من الاهتمام بالشكليات والجوانب الإجرائية.
على أن الأهم من ذلك كله الوصول إلى جدول أعمال يتضمن أهدافا ممكنة التحقيق في المدى القصير حتى يمكن البناء على ذلك النجاح، فحتى توافر الإرادة السياسية ليس كافيا في حد ذاته لتحقيق الاختراق المنشود ما لم يسندها نجاح ملموس ولو بصورة محدودة.

الأكثر قراءة