الشركات الأمريكية تفتقد الاستراتيجيات لمواجهة الشركات الأجنبية

الشركات الأمريكية تفتقد الاستراتيجيات لمواجهة الشركات الأجنبية

تعيش صناعة السيارات الأمريكية هذه الأيام أصعب فترة في تاريخها المعاصر، فالمشاكل الاقتصادية تعوق تحقيق مبيعات عالية تكفل تحسين الوضع المالي الصعب الذي يواجهها، والبارز في هذه الأيام ما تواجهه شركتان من أكبر شركات السيارات في العالم ككل، وهما "جنرال موتورز" و"فورد".
فـ "جنرال موتورز" تعتبر الشركة الأولى على صعيد الإنتاج في العالم، وهي تضم مجموعة من شركات السيارات المنضوية تحت رايتها والتي يزيد حجم إنتاجها السنوي على ثمانية ملايين وحدة.
وهي إضافة إلى مجموعة الشركات الأمريكية التي تمتلكها، فإنها تمتلك مجموعة من الشركات ذات الأصل الأوروبي مثل "ساب السويدية" و"أوبل" الألمانية، إضافة إلى شراكتها الفنية مع عدد من الصانعين في مجال محركات الديزل وتطويرها.
أما شركة فورد فتحتل المرتبة الثالثة على صعيد الإنتاج العالمي بعد أن كانت لسنوات طويلة متمسكة بالمرتبة الثانية متقدمة على شركة تويوتا اليابانية التي تبادلت معها المراكز خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
وتعتبر شركة فورد من أعرق شركات السيارات في العالم، وهي إضافة إلى أصلها الأمريكي تمتلك فرعا أوروبياً يعتبر بمثابة الشريك الكامل أو النصف الآخر، وهو يحقق للشركة مبيعات عالية كونه يختص بإنتاج سيارات مصنفة في فئات مرغوبة عند المستهلك الأوروبي، نظراً لاستهلاكها المنخفض من الوقود وجودتها العالية.
كما تقع ضمن ملكية فورد مجموعة من شركات السيارات الأوروبية، وهي: "فولفو" السويدية، "جاكوار"، "لاندروفر"، و"أستون مارتن". وهذه المجموعة من الشركات تقع ضمن إدارة واحدة خاصة بالطرازات الفخمة التي تنتجها الشركة.
وبالعودة إلى المشاكل التي تعاني منها كل من "جنرال موتورز" و"فورد" نجد أنها ناتجة عن السياسات المتبعة لديها فيما يتعلق بالمبيعات في السوق الأمريكية، حيث تفتقد شركات السيارات الأمريكية إلى الاستراتيجيات الناجعة في مواجهة الشركات الأجنبية، وهذه المشكلة كانت في الأصل قديمة إلا أن آثارها بدأت تتكشف مع انتهاء القيود التي كانت مفروضة على شركات السيارات الأجنبية فيما يتعلق بحجم المبيعات في السوق الأمريكية.
كما تميزت السيارات الأمريكية بقلة التجهيزات والإضافات، على العكس من السيارات الأجنبية وبالذات اليابانية التي كانت مزودة بقائمة كاملة من الإضافات بأسعار تنافس طرز القاعدة من السيارات الأمريكية.
إضافة إلى ذلك برزت مشكلة أخرى تتمثل في أساليب التصميم المتبعة لدى الصانعين الأمريكيين، والتي لم تكن تراعي الذوق الأمريكي الذي تطور خلال السنين الماضية، وابتعد عن التصاميم التقليدية التي كان يفضلها في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وهذا الأمر جعل الكثير من المستهلكين يتوجهون إلى السيارات الأجنبية التي تلبي متطلباتهم على الصعد كافة.
من ناحية أخرى حافظت الشركات الأمريكية على التقليد المتبع منذ سنوات طويلة والقاضي بإنتاج سيارات مزودة بمحركات كبيرة تستهلك كميات وفيرة من الوقود، حيث راهنت في الفترة الماضية على المستهلك الأمريكي الذي لا يعبأ بمقدار استهلاك الوقود في سيارته.
غير أن أسعار الطاقة وصلت خلال العام الماضي إلى مستويات قياسية جعلت المستهلك الأمريكي يعيد النظر في أسلوب حياته بشكل عام وفي نظرته إلى السيارة ذات المحرك الكبير، وساعد هذا الأمر بشكل نسبي على خفض مبيعات السيارات الأمريكية في أسواق بلادها وارتفاع مبيعات السيارات الأجنبية التي تركز شركاتها المنتجة على مسألة استهلاك الوقود خاصة أنها مزودة بتقنيات عالية للحد من هذه المشكلة، وأكبر دليل على ذلك نجاح طراز بريوس الهجيني من تويوتا في تحقيق مبيعات عالية خلال العام الماضي في السوق الأمريكية.
ومن المشاكل التي واجهت شركات السيارات الأمريكية الآثار المترتبة على مصاريف التأمين العالية التي كلفت شركات السيارات مبالغ طائلة جداً فيما يتعلق بالتأمين الصحي، حيث تتكفل شركات السيارات بمصاريف التأمين الخاصة بأجيال من الموظفين وعائلاتهم.
وخلال العام الماضي سجلت "جنرال موتورز" خسائر كبيرة جداً بلغت أكثر من ثمانية مليارات دولار، وخلال الأشهر الثلاثة الماضية وحدها كانت الخسائر تزيد على خمسة مليارات دولار.
وشكلت أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) صعوبات جديدة في وجه الشركات الأمريكية، وهي صعوبات أثرت بها على المدى المتوسط، إذ إن هذه الشركات قامت ولتفادي الركود بتخفيض أسعار سياراتها بشكل كبير، وقامت في الوقت نفسه بتحمل نفقات الفوائد عن الزبائن، مما أدى إلى اشتعال حرب أسعار بين الصانعين، الأمر الذي أدى إلى خفض أرباح هذه الشركات بشكل كبير وعلى مدى سنوات.
وتحاول الشركة في الوقت الحاضر العمل على حل مشاكلها من خلال خطوات عديدة، منها على سبيل المثال، العمل على وضع استراتيجيات إنتاج جديدة تتمثل في تطوير محركات جديدة ذات سعة منخفضة وتطوير محركات ديزل بالتعاون مع شركات أوروبية، إضافة إلى تطوير طرز جديدة ذات أشكال جذابة ومزودة بإضافات كثيرة ومتنوعة.
كما عملت "جنرال موتورز" على التخلص من العديد من الاتفاقيات التي عقدتها والتي كبَدتها خسائر مرتفعة، ومنها على سبيل المثال، اتفاقها الشهير مع مجموعة فيات الإيطالية، حيث لم تستطع "جنرال موتورز" حل مشاكل "فيات" الاقتصادية وتأثرت هي بدورها بشكل مباشر من خلال النفقات العالية التي ترتبت عليها.
غير أن "جنرال موتورز" أبقت وفي خطوة ذكية على جزء من هذه الاتفاقية، وهو الجزء المتعلق بالتعاون في مجال الأبحاث الخاصة بتطوير المحركات التي تعمل بوقود الديزل.
وتعمل "جنرال موتورز" أيضاً على تطوير قدراتها فيما يتعلق بالتقنيات الخاصة بخفض استهلاك الوقود، حيث تعمل الشركة حالياً على تطوير محركات هجينية بالتعاون مع بعض الصانعين الأوروبيين، وهي تنوي تقديمها في بعض طرز الشركة المتوقع تقديمها العام المقبل.
ومن الحلول التي يقترحها رئيس مجلس إدارة جنرال موتورز (ريك واجونيير) أن يتم الاستغناء عن 20 ألف عامل، والعمل على خفض التزامات الشركة تجاه موظفيها الحاليين والمتقاعدين وكل ذلك بالاتفاق مع نقابات العمال.
إضافة إلى ذلك العمل على زيادة مبيعات الشركة في أسواق العالم وبالأخص في الأسواق الجديدة مثل السوق الصينية، وذلك من أجل تعويض أي نقص في المبيعات في السوق الأمريكية. وهذا الأمر بالذات يستدعي تخفيض حجم الإنتاج في الولايات المتحدة وهو ما تقره خطط النهوض الجديدة التي تم الإعلان عنها أخيراً.
وتتشابه مشاكل "فورد" بشكل كبير مع مشاكل "جنرال موتورز"، وهي سجلت في العام الماضي خسائر عالية زادت على ثلاثة مليارات دولار، وعلى الرغم من أن الحكومة الأمريكية أعلنت أنها على استعداد لتقديم مساعدة حكومية للشركة، إلا أن الأخيرة تؤكد أنها قادرة على تجاوز هذه الصعوبات من خلال إعادة هيكلة الشركة، حيث تتضمن هذه الخطوة إقفال أكثر من عشرة مصانع في العديد من الولايات الأمريكية ومنها مصانع تجميع ومصانع محركات.
كما قررت الشركة إلغاء ما يزيد على ثلاثين ألف وظيفة خلال الأعوام الستة المقبلة، والعمل على خفض المصاريف المتعلقة بالتأمين بالتعاون مع نقابات العمال.
في الختام ينبغي التأكيد على أن مشاكل الشركتين تعتبر من المشاكل الكبيرة، حتى أن الكثير من المتخصصين في الاقتصاد العالمي يشككون في قدرتهما على العودة إلى الأرباح خلال المدى القريب أو المتوسط، لكن مثال "نيسان" ما زال موجوداً واقعاً على الأرض إذ نجحت هذه الشركة من خلال استراتيجيات العمل الناجحة في تحويل خسارة الشركة إلى أرباح في أقل من ثلاث سنوات فقط.

الأكثر قراءة