تحولات
تبدو إيران وحيدة في مطالبتها بخفض السقف الإنتاجي لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" بمقدار مليون برميل يوميا. وليس هناك تباين للرأي بخصوص حجم الخفض المطلوب، لأن بقية المنتجين ومن بينهم أصدقاء لإيران وأكثر قربا لمواقفها لا يميلون في الوقت الحالي إلى جانب الخفض وبأي كمية كانت. فبالنسبة إليهم ما دامت الأسعار مستقرة فوق الخمسين دولارا للبرميل، فإن أي خطوة إضافية للخفض ستعني ضربة للسوق ورفع إضافي غير مبرر للأسعار، خاصة في الوقت الذي يرى فيه البعض مثل الدول الخليجية عموما أنه حتى المعدلات الحالية للأسعار أصبحت مثيرة للقلق، وذلك من باب تجارب سابقة أن الأسعار العالية إنما في واقع الأمر مقدمة لانهيارات سعرية. السجل المتاح يشير إلى أن الأسعار استمرت في حالة تصاعد مستمر وذلك للعام الخامس على التوالي، وهي تضاعفت أربع مرات منذ عام 2001.
الارتفاع المستمر في الأسعار دفع الدول الأعضاء في "أوبك" إلى ضخ الإمدادات بأقصى طاقة متاحة لديها، بل وإلى السير قدما في برامج مفصلة لرفع الطاقة الإنتاجية ستضيف هذا العام وحده نحو مليون برميل يوميا على فترات متباعدة لتصل في غضون خمس سنوات إلى خمسة ملايين برميل يوميا إضافية.
تجارب المنظمة السابقة توضح أن زيادة الطاقة الإنتاجية عامل مؤثر في الدفع إلى تجاوز الحصص والضخ أكثر من السقف المتفق عليه، وإذا تزامن هذا مع حدوث تراجع في الطلب كما هو الأمر في الربع الثاني من العام حيث يتراجع الطلب تقليديا، فإن هيكل الأسعار يصبح تحت ضغط شديد.
وخلال الأسابيع الماضية وقبيل تفجر قضية الملف النووي الإيراني، كان الاتجاه العام أن المنظمة مطالبة باتخاذ خطوة لخفض سقفها الإنتاجي وذلك خوفا من ألا يسند الطلب المتوقع الحجم الكبير للإمدادات المتدفقة على السوق. ولهذا تبدو المفارقة في أن البعد السياسي للأزمة الإيرانية يلعب دورا كبيرا في إبقاء الأسعار على معدلها المرتفع الحالي رغم أن بقية الأعضاء لا يحبذون تسييس موضوع الإمدادات، وهي النظرة التي تفسر الطلب الإيراني بخفض الإنتاج في اجتماع بعد غد الثلاثاء.
وبما أنه ليس واضحا إذا كان الملف الإيراني سيقفل أم لا، والكيفية التي سيقفل بها، فإن حالة عدم الوضوح والقلق من تطور الوضع بصورة لا يمكن لأحد التحكم فيها ستظل مسيطرة ومن ثم تنعكس على السوق النفطية وهيكل الأسعار.
وأسهمت الأخبار التي تسربت عن قيام إيران بنقل بعض ودائعها لدى المصارف الأوروبية إلى أخرى آسيوية تحديدا، دورا في تعزيز الانطباع بأن المواجهة بين رابع أكبر منتج للنفط في العالم، وهو إيران، وبقية الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، قد تكون على الطريق.
وإذا كان الوضع الإيراني قد حظي بتسليط للضوء الإعلامي عليه، فإن هناك تحولات أخرى تشهدها السوق النفطية يتوقع لها أن تؤثر بصورة أو أخرى، حتى وإن كان ذلك على المدى البعيد. فالعدد المتزايد من حكومات أمريكا اللاتينية التي تتجه يسارا في ازدياد وآخرها بوليفيا، وهي منتج للغاز الطبيعي، الأمر الذي يعزز من الحضور الفنزويلي الذي يمثله رئيسها هيوجو شافيز، الذي يتبنى مواقف وسياسات معادية لواشنطن. وهذه الدائرة المتسعة لزعماء في قارة أمريكا الجنوبية يتبنون مواقف يسارية ستسهم بدورها في إعلاء قيمة العامل السياسي عند النظر إلى قضايا السوق النفطية المتشابكة، وهو ما سيمتد إلى "أوبك" بصورة أو أخرى رغم وجود دولة واحدة عضو في المنظمة، هي فنزويلا.
على أن التحول الأكبر سيكون بسبب بروز المستهلكين الجدد وعلى رأسهم القارة الآسيوية. مجموعة الدول التي يطلق عليها BRIC، وهي تمثل الأحرف الأولى لكل من البرازيل، روسيا، الهند، والصين أصبحت تحتل مكانة متنامية ربما تعبر عنها التغطية المتكاملة لأنشطتها في منتدى دافوس السنوي خاصة هذا العام. ولا غضاضة، فهذه المجموعة من الدول الأربعة حققت لوحدها ربع النمو في الاقتصاد العالمي خلال السنوات الخمس الماضية، وتكاد الصين تصبح نقطة التركيز الجديدة بسبب حاجياتها المتنامية لتوفير الطاقة.
وإذا كان لافتا للنظر فيما سبق، و لا يزال، مساعيها للحصول على أصول نفطية في مختلف أنحاء العالم، فإن الجديد هو توجه المنتجين للوصول إلى تفاهمات عبر اتفاقيات محددة مع هذه الأسواق الواعدة وعلى رأسها الصين.
والتوجه السعودي الذي عبرت عنه زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله إلى الصين الأسبوع الماضي ليس توجها فريدا في نوعه، إذ أصبحت تتبناه مختلف الدول المنتجة بصورة أو أخرى. فكازخستان بدأت التصدير النفطي عبر خط للأنابيب، وروسيا على الطريق وأنجولا أصبحت ثاني مصدر إلى السوق الصينية.
مثل هذه التحولات لن تجد لها صدى في الاجتماعات العادية والاستثنائية التي تعقدها المنظمة، لكن السوق التي تغير من جلدها تحتاج إلى متابعة لأمر هذه التحولات وانعكاساتها المستقبلية.