مختصون: التحديات الحالية تتطلب كيانات وتكتلات لإنقاذ المزارع والمشاريع المتعثرة
تواجه المزارع أو المشاريع الزراعية الصغيرة بعض الصعوبات، منها ما يتعلق بالزيادة المطردة في أسعار مدخلات الإنتاج، ومنها ما يتعلق بزيادة تكاليف العمليات الإنتاجية، مما يؤدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج وخفض الجدوى الاقتصادية لها، ومنها ما يتعلق بتسويق المنتج مما يعني أنه في النهاية قد تتعثر تلك المشاريع، التي ربما تكون مدعومة من البنك الزراعي وعليها قروض مستحقة، وهذا يعني أن تعثر هذه المشاريع يمثل خسارة اقتصادية لملاكها وللاقتصاد الوطني.
"الاقتصادية" تطرح هذه القضية، وأيضا فكرة إنشاء شركات متخصصة تدير المشاريع الصغيرة، حيث يمكن أن تسهم هذه الفكرة في رفع الكفاءة الإنتاجية والتسويقية لهذه المشاريع، خاصة في ظل وجود شركات زراعية تملك خبرات وإمكانيات أكدت نجاحها ومساهمتها في إدارة مشاريع زراعية مختلفة تنتشر مشاريعها في جميع أرجاء البلاد، خلاف الأصوات التي تدعو إلى اندماجات وتكوين كيانات كبيرة وقوية لمواجهة التحديات المستقبلية قبل وبعد انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية معلنة البقاء للأقوى، ورغم هذا التوجه إلا أن هناك من يطالب بالمحافظة على المزارع التقليدي دون فقده من خلال الجمعيات الزراعية. "الاقتصادية" استطلعت آراء مختصين وخبراء في المجال الزراعي، فإلى التفاصيل:
أكد المهندس عبد العزيز بن محمد البابطين مدير عام الشركة الوطنية للتنمية الزراعية "نادك" أن قيام كيانات قوية ومتينة يحقق عدة إيجابيات من أبرزها التحكم في التكاليف، وقوة في المنافسة، واستقطاب كفاءات عالية، ولكنه يستدرك هنا ليشير إلى وجوب المحافظة على المزارع التقليدي وعدم فقده في ظل هذا التوجه، من خلال تشجيع قيام جمعيات زراعية في جميع المناطق، ويشير المهندس البابطين إلى أنه بعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية فلن يعد هناك مكان للحماية.
ويضيف مدير عام "نادك" أن إيجاد شركات لإدارة المزارع أو المشاريع الصغيرة أو المتعثرة يتطلب توافر معلومات، وهنا أشار إلى وجوب معرفة الجدوى الاقتصادية، ومعرفة أفضل السبل، مع عدم إغفال نقطة مهمة في هذا التوجه وهي معرفة الاستراتيجية المستقبلية للزراعة وفق أرقام وحقائق، وخطط طويلة المدى دون تذبذب أو توقف لها.
من جانبه أوضح المهندس إبراهيم أبو عباة مدير عام "الوطنية" الزراعية أن المتابع اليوم للنشاط الزراعي بشكل عام في المملكة يجد أنه من حيث الحجم يتمثل في في ثلاث شرائح، الأولى الشركات المساهمة أو ما يشابهها من الشركات الخاصة والتي تدار بطرق حديثة يراعى فيها جميع الجوانب من حيث الكفاءة الإدارية وجودة المنتج والتكلفة التي تساعد على المنافسة في ظل حدة المنافسة، الثانية الحيازات الصغيرة أو المتوسطة والتي أحدثتها الطفرة السابقة وذهبت مجموعة من التجار أو المستثمرين إلى النشاط الزراعي والذي كان عماده وعموده الفقري هو القمح حينما كان سعره ثلاثة ريالات للكيلو واستمر ذلك حتى بعد تخفيض السعر إلى 1.5 ريال للكيلو، والشريحة الثالثة هي الفلاحات الصغيرة المتوارثة, التي كان أساسها النخيل وما يمكن زراعتها بينها والتي تحولت أو انضمت إلى ما يسمى اليوم بالاستراحات، وعليه وفي ظل انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية والمنافسة الشديدة التي تشهدها سوق المنتجات الزراعية في المملكة أضحت الإدارة الفعالة التي تستخدم أفضل الأساليب الإدارية وتوفر التقنية الحديثة وتستخدم الميكنة والمكننة في كل أو أغلب النشاطات الزراعية, هي القادرة على الصمود أمام هذه العوامل. ولعل من فضول القول إنه على الشريحة المتوسطة السابق ذكرها أن تبحث عن حل لواقعها الحالي وما ينتظرها مستقبلا، والذي قد ينحصر في حلول ثلاثة, منها الاندماج لتكوين كيان كبير لخفض تكلفة الإدارة وتكلفة التشغيل، أو اللجوء إلى الشركات التي تختص بإدارة مثل هذه المشاريع، والحل الثالث الانحسار إلى الشريحة الثالثة وهي تحويل هذه الأنشطة إلى استراحات وأماكن ترويح لا يكون الإنتاج الزراعي هو جوهرها.
ومن المناسب أن نذكر أن الاندماج ليس بالضرورة في جميع الأنشطة بل يمكن الاندماج في نشاط التسويق مثلا أو نشاط الميكنة الزراعية أو غيرها، كما أن الوقت أصبح مهيأ لظهور شركات متخصصة في إدارة مثل هذه الحيازات سواء المتوسطة أو الكبيرة ومن الواضح أن لها سوق واعدة، سواء كانت على شكل تجمعات ترعاها وزارة الشؤون الاجتماعية مثل الجمعيات التعاونية أو كانت شركات خاصة أو مساهمة، ومن دون شك ستكون رافدا لسوق العمل السعودية وستستقطب شبابا سعوديين كانت لهم تجارب في الشركات الكبيرة وستزيد بلا شك في عدد الفرص الوظيفية المناسبة للشباب السعودي وستقلل من العامل الأجنبي خاصة في المستويات العليا والمتوسطة من الإدارة، وهنا يجدد المهندس أبو عباة قوله إننا في وقت الاتحاد والاندماج للوقوف أمام خطر الزوال أو الانحناء أمام المنافسة الصعبة والتحدي الكبير.
ويتحدث وفي السياق نفسه ، يفصح المهندس محمد بن عبد الله الرشيد مدير عام مجموعة الرشيد للبيوت المحمية عن تجربته في هذا المجال، مشيرا إلى أن إيجاد شركات زراعية تتولى تشغيل المزارع وتدير مساحات زراعية أكبر يعنى تكلفة أقل وبالتالي فإن العائد سيكون أكبر وذا جدوى اقتصادية أعلى، وهذا المثال ينطبق على مشاريع زراعية أخرى غير البيوت المحمية، على سبيل المثال مشاريع زراعة القمح والبطاطس وغيرها حيث يمكن تأسيس شركات تتولى كل مرحلة من مراحل الاستزراع مثل العمليات الزراعية الأولية والحصاد، وكل ما يتعلق بالإنتاج سوف يخفض من تكاليف الإنتاج ويرفع من الكفاءة.
ويؤكد المهندس الرشيد أنه توجد مساحات زراعية صغيرة غير مجدية اقتصاديا ولكن عندما تكون المساحة أكبر تكون الفائدة أفضل، حيث يمكن برمجة الإنتاج بين هذه المشاريع لضمان انسياب المنتجات للأسواق على مدار العام بكميات متوازنة وتجنب عمليات التذبذب في العرض وبالتالي انعكاسها على الأسعار. ولا يقف الأمر عند ذلك، بل يمكن توحيد معايير الجودة لمنتجات هذه المشاريع وتطبيق المواصفات التي تتطلبها الأسواق المحلية أو الخارجية للحفاظ على سمعة المنتجات السعودية في الأسواق حيث نلاحظ حالياً أن رداءة نوعية منتجات بعض المشاريع الزراعية تؤثر في بقية المشاريع وخصوصاً عند التصدير، مضيفا أن رفض بعض المنتجات الزراعية المصدرة لرداءة نوعيتها وعدم مطابقتها للمواصفات يعكس فكرة سلبية عن منتجات البلد المصدر.
ويوضح مدير عام مجموعة الرشيد للبيوت المحمية أنه من هنا يمكن النظر إلى الفائدة المرجوة من ذلك ولعل من أبرزها ما يشتكي منه صغار المزارعين من ارتفاع مدخلات الإنتاج، الديزل، انخفاض قيمة شراء المنتج عند عرضه، ولعل من أبرز فوائد الشركات والتكتلات, أنه كانت لدينا تجربة سابقة مع بعض مشاريع البيوت المحمية في الشراء الجماعي لبعض مستلزمات الإنتاج، حيث قمنا بعملية شراء لمدخلات الإنتاج وحققنا من خلال ذلك خفضا في القيمة وصلت إلى أكثر من 30 في المائة، عن طريق العقد الموحد للشراء، ولك أن نتخيل لو عممت هذه التجربة على كل مراحل الزراعة ومتطلباتها من معدات وقطع غيار وغيرها.
من جانبه، نوه الدكتور عبد العزيز بن رابح الحربي، الأستاذ في كلية علوم الأغذية والزراعة، جامعة الملك سعود، وعضو اللجنة الزراعية في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض بأهمية التجربة عند طرحها من جميع الجوانب، حيث إنها تشكل نوعا من التكتلات بين المنتجين، مشيرا إلى أن الجانب الأبرز في هذه الشركات قدرتها على رفع الكفاءة التسويقية للمشاريع الزراعية الصغيرة، مبينا أن عمل مزارع صغيرة تحت مظلة شركة تديرها لن يسهم فقط في تسويق الإنتاج بل إيجاد مستوى ونوعية عالية لأي صنف، أيضا قوة المفاوضات، توحيد المواصفات، بخلاف رفع مستوى التقنية المستخدمة في الإنتاج والتي قد لا يكون في متناول المشاريع الصغيرة إدخالها، إضافة إلى إنشاء مختبرات التحليل للعينات النباتية والتربة، ومراكز الفرز والتدريج والتعبئة، وتطوير العبوات، والقيام بمشاريع بحثية مع الجامعات لإيجاد حلول لبعض المعوقات التي تواجهها، وهنا لن أغفل عن الفائدة المرجوة عند قيام شركات زراعية تتولى إعادة تأهيل المشاريع المتعثرة وإعادتها إلى العمل مرة أخرى وهذه فائدة كبيرة للبنك الزراعي الداعم لهذه المشاريع وللاقتصاد الوطني عموماً.