تداعي العولمة وإعادة تشكيل العالم .. وجهة نظر
يلقي الكتاب اللوم على النظام الذي تحاول فيه الشركات الكبرى متعددة الجنسيات أن تحل محل البنية التحتية للحكومات، ويعتقد فيه الناس أن النظم الإدارية شديدة التعقيد قد تكون هي البديل الجاهز للقيادة.
نادرا ما تستمر مدة صلاحية النظريات الاقتصادية الكبرى لأكثر من عقود معدودة. كذلك العولمة بكل ما فيها من سيادة للتكنولوجيا والتصنيع وهيمنة لقوى السوق، ربما يكون العد التنازلي لأيامها قد بدأ. هذا ما يؤكده الكاتب جون رالستون سول، الذي كتب العديد من الكتب المهمة في المكتبة الأمريكية.
يبدأ الكتاب باستعراض تاريخ العولمة منذ ظهور إرهاصاتها الأولى في السبعينيات، ثم أثناء اتخاذ الحكومات لإجراءات تحرير التجارة المتزايدة إلى فترة التسعينيات التي انهارت خلالها العديد من النظم الاقتصادية حول العالم وتصاعد الاهتمام بشؤون البيئة وحقوق العمال، الأمر الذي أدى إلى اندلاع المظاهرات والاعتراضات حول العالم.
في أعقاب تداعي نظام العولمة بدأت تظهر إشارات وعلامات على عودة القومية من جميع أنواعها الجيدة والسيئة. تتميز هذه العودة بالقوة والظهور بعد طول اختفاء. كما بدأت أيديولوجية الحتمية الاقتصادية للعولمة في التلاشي بعد أن أثبتت عدم صحتها.
فقد ظن الكثير من الناس أن العولمة ستكون لها السيادة المطلقة على أسواق العالم، وسينتج عنها نظام اقتصادي تحل فيه الأسواق العالمية محل الدول. على الأقل كانت هذه هي الخطة المقررة منذ 30 عاما خلت، إلا أن الأمر اختلف الآن.
عبر هذا الكتاب يستعرض سول كيف فشلت هذه الخطة، حتى لو كانت قد حققت نجاحا نسبيا، ذلك لأنها أدت إلى زيادة إجمالي الناتج المحلي أو ثروات الأفراد بينما سمحت بتراكم الديون على كاهل الدول في العالم الثالث.
في الوقت نفسه فإن النظم الاقتصادية انتفخت وتضخمت تضخما كاذبا ثم انفجرت داخليا، تماما مثلما حدث للاعتقاد بأن التكنولوجيا وتطور أنظمة الاتصالات وإدارة الأعمال يمكن أن تتغلب على الاختلافات الثقافية أو أن تتسبب في ظهور أنماط أكثر مرونة من القوميات التي نتجت عن نهاية الحرب الباردة.
يلقي الكتاب اللوم على النظام الذي تحاول فيه الشركات الكبرى متعددة الجنسيات أن تحل محل البنية التحتية للحكومات، ويعتقد فيه الناس أن النظم الإدارية شديدة التعقيد قد تكون هي البديل الجاهز للقيادة.
يقدم الكتاب دراسة فكرية متعمقة لصعود العولمة وسقوطها الوشيك، كما يتوقع الكاتب. يحمل الكتاب لهجة الإنذار والتحذير، إلا أن المستقبل الاقتصادي ربما يكون أكثر إشراقا الآن في الوقت الذي عادت فيه فكرة الاختيار كنتيجة لما يطلق عليه مؤلف الكتاب "القومية الإيجابية".
بطبيعة الحال لن يحظى الكتاب بأي شعبية أو إعجاب بين الداعين إلى تخفيض الضرائب ومؤيدي تحرير التجارة العالمية، إلا أن التحليلات والأفكار التي يقدمها الكتاب سهلة الفهم ويمكن أن تكون ذات أهمية لكل من يهتم بإدارة الأعمال سواء من أصحاب المتاجر الصغيرة أو من رؤساء مجالس إدارات الشركات الكبرى.