رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


استراتيجية 2025.. حدث الجبيل

إجمالي الناتج المحلي، والتضخم، وأسعار الفائدة، والبطالة, أربعة معايير رئيسة تعتمدها أدبيات الاقتصاد الكلي لقياس النمو الاقتصادي للمنظومات الاقتصادية, محلية كانت أو إقليمية أو دولية.
ويسهم إجمالي الناتج المحلي في إعطاء صورة أكثر وضوحا عن المستوى المعيشي للمنظومة الاقتصادية، كونه يقيس القيمة الجارية لكل المنتجات والخدمات المتاحة للتبادل التجاري مع المنظومات الاقتصادية الأخرى خلال عام واحد.
وتتجه أدبيات الاقتصاد الكلي إلى ثلاث آليات لقياس إجمالي الناتج المحلي: الآلية الأولى إجمالي المصروفات الموجهة للحصول على المنتجات والخدمات المتاحة للتبادل التجاري. والآلية الثانية إجمالي الإنتاج من القطاعات الإنتاجية، كالبتروكيماويات والزراعة، المكونة للمنظومة الاقتصادية. والآلية الثالثة إجمالي العوائد من القطاعات الإنتاجية المكونة للمنظومة الاقتصادية.
تعد الآلية الأولى الأكثر شيوعا لقياس إجمالي الناتج المحلي, حيث تعرف من المنظور الرياضي على أنها حاصل جمع كل من الاستهلاك، والاستثمارات الثابتة، واستثمار المخزون، والمشتريات الحكومية، والفرق بين مجموعي الصادرات والواردات.
تقودنا هذه المقدمة النظرية إلى رؤية أعم وأشمل حول موضوع الموجات الاقتصادية التي تمر بها منظومة الاقتصاد المحلي. تشير أدبيات الاقتصاد الكلي إلى أن منظومة الاقتصاد العالمي مرت بخمس موجات متسلسلة, راوحت الموجة الواحدة في طولها ما بين 50 و60 عاما, تشابهت هذه الموجات في الخواص، والسلوك، والتأثير، وتباينت في المحركات الرئيسة لنموها وتباطئها الاقتصادي.
أطلق على الموجة الأولى عصر الثورة الصناعية، وحدد بدايتها في عام 1771م. وأطلق على الموجة الثانية عصر الآلات البخارية والسكك الحديد، وحدد بدايتها عام 1829م. وأطلق على الموجة الثالثة عصر الحديد والكهرباء والصناعات الثقيلة، وحدد بدايته عام 1875م. وأطلق على الموجة الرابعة عصر النفط والسيارات والإنتاج الغزير، وحدد بدايتها عام 1908م. وأطلق على الموجة الخامسة عصر المعلومات والاتصالات، وحدد بدايتها عام 1971م.
استطردت أدبيات الاقتصاد الكلي في هذا الجانب لتحليل كل موجة من هذه الموجات الخمس الكبيرة. خلصت إلى أن كل موجة كبيرة تتكون من أربع موجات متوسطة, يراوح طول الموجة الواحدة بين 50 و60 عاما, تعيد هذه الموجات الأربع المتوسطة نفسها في كل موجة كبيرة.
استطردت أدبيات الاقتصاد الكلي في هذا الجانب أيضا إلى كل موجة من هذه الموجات الأربع المتوسطة. خلصت إلى أن كل موجة متوسطة تتكون من أربع موجات صغيرة. يراوح طول الموجة الواحدة بين 10 و12 عاما. تعيد هذه الموجات الأربع الصغيرة نفسها في كل موجة متوسطة, وتجسد كل موجة صغيرة أيضا حالة منظومة الاقتصاد المحلي من حالات النمو والتباطؤ، ومنشأ تحدياته وآفاقه.
وجد أن الموجتين الصغيرتين الأولى والثانية موجتا نمو، وأن الموجتين الصغيرتين الثالثة والرابعة موجتا تباطؤ. كما وجد في السياق ذاته فيصل بين موجات النمو والتباطؤ عبارة عن حالة انهيار اقتصادي مؤقت تصيب منظومة الاقتصاد المحلي بسبب عدم استيعاب مقاومتها المستجدات المحيطة بها.
كثيرة هي الفوائد التي نستنتجها عند قراءة واقع الاقتصاد السعودي من منظور أدبيات الاقتصاد الكلي أعلاه. تعود بداية منظومة الاقتصاد السعودي إلى منتصف القرن الماضي, عندما شكلت أولى مقوماتها وأعيد تحوير مقومات أخرى ضمن إطار مفاهيم الاقتصاد العالمي الحديث, من أهمها: إنشاء القطاع المالي، والخطوط العريضة للسياسات المالية والنقدية. شكل النصف الثاني من القرن الماضي الموجة الخمسينية الأولى (1950 - 2000). بدأت منظومة الاقتصاد السعودي مطلع هذا العقد رحلة عبور الموجة الخمسينية الثانية (2000 - 2050). أكملت قرابة الموجة الأولى (2000-2010) خلال العقد الحالي, وتتأهب للدخول في الموجة الثانية (2010-2020) خلال العقد المقبل، بعون الله تعالى.
أهداف هذه الموجة المقبلة والتي يليها يمكن النظر إليها من واقع الاستراتيجية بعيدة المدى للاقتصاد الوطني السعودي, حيث شارفت الخطة التنموية الخمسية الثامنة (2005 - 2009م) على الانتهاء, وهي في حد ذاتها تمثل محطة رئيسة في مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية السعودية, كونها أول خطة خمسية تُعد في إطار استراتيجية بعيدة المدى محددة الأهداف والآفاق. تعرف هذه الاستراتيجية ببعيدة المدى حتى عام 2024م، ضمن أربع خطط خمسية مقبلة.
تعمل استراتيجية بعيدة المدى هذه تحت رؤية واضحة ومعلنة، تتمثل في "سيكون الاقتصاد السعودي بحلول عام 2025م متنوعاً ومزدهراً يقوده القطاع الخاص ويوفر فرص عمل مجزية وتعليم عالي الجودة وعناية صحية فائقة, إضافة إلى المهارات اللازمة لرفاهية جميع المواطنين وحماية القيم الإسلامية وتراث المملكة الثقافي".
تهدف استراتيجية بعيدة المدى إلى الارتقاء بمنظومة الاقتصاد السعودي إلى مصاف الاقتصادات المتقدمة, حيث يتوقع لمتوسط دخل الفرد أن يصل إلى أكثر من الضعف مرتفعاً من نحو 43.3 ألف ريال في نهاية عام 1424/1425هـ (2004) إلى نحو 98.5 ألف ريال في نهاية عام 1444/1445هـ (2024) بالأسعار الثابتة عام 1419/1420هـ (1999), تشكل هذه الزيادة معدل نمو سنوي متوسط لفترة الاستراتيجية قدره (4.2 في المائة).
تقودنا هذه الأهداف والآفاق إلى ما حدث منتصف الأسبوع الحالي على ضفاف شاطئ الخليج العربي, حيث دشن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عددا من المشاريع التنموية والصناعية في مدينة الجبيل الصناعية بمبلغ استثمارات إجمالي أكثر من 54 مليار ريال.
يتزامن تدشين هذه المشاريع الصناعية والتنموية مع مرحلة تعد من أهم التحديات التي تواجه منظومة الاقتصاد العالمي. يقودنا هذا التزامن إلى خلاصة مفادها ثلاثة أمور: الأمر الأول جدية منظومة الاقتصاد السعودية في بلوغ أهداف وآفاق استراتيجية 2025م حسبما هو معد ومخطط. والأمر الثاني طبيعة الدور الجديد التي ستؤديه منظومة الاقتصاد السعودي خلال الفترة المقبلة ضمن منظومة الاقتصادي العالمي, دور قيادي ذو بُعد عالمي عوضا عن مساندين ذوي دور إقليمي. والأمر الثالث أهمية تهيئة مقومات منظومة الاقتصاد السعودي بما يتوافق ليس وأهداف استراتيجية 2025م فحسب، وإنما ومتطلبات الدور القيادي العالمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي