الإفصاح سيبقى هماً !!!
تناولت صحيفة "الاقتصادية" في منتصف الأسبوع الماضي موضوعاً حساساً حول تسرب المعلومات إلى فئات معينة من المستثمرين قبل وصول المعلومات إلى عامة المستثمرين. ولا شك أن استئثار أي فئة بالمعلومة يتنافى مع مبدأ الإفصاح والشفافية الذي يعتبر المطلب الرئيسي لجميع أسواق المال قاطبة . وعلى الرغم من ارتفاع نسبة الشركات السعودية الملتزمة بإصدار القوائم المالية خلال المهلة النظامية، إلا أن هذا لا يعني زيادة الإفصاح أو الشفافية في سوق الأسهم السعودية. فالجميع يعرف أن التقارير المالية لا تحمل في طياتها إلا جزءا يسيرا من المعلومات ، كما أن هذه المعلومات ذات صبغة تاريخية ، لذا فإنه لا ينبغي الاستشهاد بها كدلالة على زيادة الإفصاح .
والواقع أن الإفصاح مبدأ رائع يحمل في طياته معاني جميلة أولها العدالة بين جميع المتعاملين وعدم التفرقة بينهم ، ومع ذلك فإن التطبيق العملي لهذا المبدأ يعتبر من أصعب المهام المنوطة بالجهات المنظمة لأسواق المال. وعلى هذا الأساس فإن هيئة السوق المالية سواء هنا في المملكة أو في غيرها من الدول لا تستطيع القضاء الكامل على ما يعرف في أسواق المال بـ عدم التجانس في المعلومات Information Asymmetry ، أي عدم التكافؤ في الحصول على المعلومات واستئثار فئات معينة بالمعلومات قبل غيرهم. ومع ذلك فإن صعوبة السيطرة على تسرب المعلومات الداخلية لا يعفي الجهات التشريعية من العمل على الحد من هذه الظاهرة. بل إنه ينبغي العمل على زيادة الإفصاح والشفافية كأحد الحلول الفعالة لهذه المشكلة . وفي هذا المجال فإنه ينبغي التركيز على مسألتين في الإفصاح هما التوقيت والمحتوى، ونقصد بذلك توقيت الإفصاح وطبيعة ومحتويات الإفصاح.
وعلى الرغم من سهولة متابعة وقياس الالتزام بتوقيت الإفصاح إلا أنه يصعب جداً متابعة وقياس محتوى الإفصاح، وبالتالي فإنه يجب التركيز على المسألة الأخيرة – المحتوى- في أي محاولة تنظيمية لزيادة الإفصاح والشفافية. والملاحظ أن غالبية الشركات السعودية ما زالت تتبنى وجهة النظر التقليدية للإفصاح من حيث التركيز على المعلومات المالية التي يمكن قياسها وإثباتها محاسبياً. وهذا الاتجاه التقليدي بالطبع سيؤدي إلى استبعاد كثير من المعلومات غير المالية التي قد تكون ملائمة وضرورية للمستثمر في سوق الأسهم.
كما أنه يلاحظ أن النمو والتطور الحاصل في سوق الأسهم السعودية لا يقابله تطوير مناسب لوسائل الإفصاح والشفافية على مستوى الشركات نفسها. فالتطور الحاصل في سوق الأسهم السعودية يحتم ضرورة تبني وجهة نظر حديثة للإفصاح ، وتطوير متطلبات الإفصاح المستخدمة حالياً لتلائم حاجات المتعاملين في السوق . فالإفصاح لا ينبغي أن يكون مجرد إخلاء مسؤولية الإدارة طبقاً للمفهوم التقليدي للرقابة، بل يجب أن يهدف إلى توفير المعلومات التي تحقق التوازن في سوق الأسهم ورفع كفاءة السوق المالية. لذا فإنه من الضروري تطوير نظام إفصاح شامل يعتمد على مبدأ تدفق المعلومات المالية وغير المالية إلى سوق الأسهم، أخذاً في الاعتبار أن المستثمر في سوق الأسهم يحتاج إلى جميع المعلومات سواء المالية أو غير المالية. فمتطلبات العرض والإفصاح يجب أن تتطور تبعاً للتطورات الاقتصادية التي تحدث في البلد ، وهذا بلا شك سيؤدي في نهاية الأمر إلى زيادة الثقة بالسوق وتقليل أي تضخم سعري غير مبرر.
**
قسم المحاسبة ـ جامعة الملك سعود
[email protected]