إطلالة على عام جديد

إطلالة على عام جديد

يبدأ العام الجديد ومنظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" تتصدر الأنباء، بعد غيبة طويلة نسبيا، بسبب انتظار المتعاملين لما يمكن أن يسفر عنه اجتماع المنظمة آخر هذا الشهر، وإذا كانت ستقوم بخفض إنتاجها وحجم هذا الخفض، وانعكاسات ذلك على جانبي الإمدادات والأسعار.
إيران أطلقت الطلقة الأولى في تهيئة الأجواء لما يمكن أن يشهده الاجتماع باقتراحها خفض مليون برميل يوميا من بداية الربع الثاني، ومع أن التقليد السائد أن فترة ما قبل الاجتماعات تكون مزدحمة بمثل هذه التصريحات الهادفة إلى إحداث تأثيرات والتهيئة لأوضاع تفاوضية لأن القرار النهائي يتخذ داخل المنظمة وعبر آليات وفاقية متفق عليها، لذا فإلى أن تعلن المنظمة قرارها النهائي تصبح كل التصريحات والاقتراحات بالونات في الهواء.
رد فعل السوق على التصريحات الإيرانية التي دفعت بالأسعار إلى تجاوز حاجز 60 دولارا للبرميل لأول مرة منذ عدة أسابيع، ورغم موسم العطلات، حيث يقل نشاط التعاملات التجارية في الدول الغربية الصناعية، وهي المستهلك الرئيسي، يشير مرة أخرى وليست أخيرة إلى حالة الهشاشة التي تعيشها السوق، وتجعل من أي تصريح هنا أو حادثة هناك عاملا في دفع الأسعار إلى أعلى أو أسفل. ولو أن واقع الحال يفرض وضع اعتبار لحقيقة أن التصريح صادر عن إيران، ثاني أكبر منتج ومصدر في المنظمة، هذا إلى جانب أن المنظمة تعتمد حتى الآن سقفا رسميا هو 28 مليون برميل يوميا قد يكون مرشحا للانخفاض حتى ولو بحجم يقل عما تقترحه طهران، وذلك في الوقت الذي تقدر فيه الوكالة الدولية للطاقة في تقريرها الأخير منتصف الشهر الماضي أن السوق تتوقع من "أوبك" أن تضخ 28.5 مليون برميل يوميا في العام الحالي 2006، إضافة إلى أن المنظمة أوقفت العمل باقتراحها القاضي بإتاحة مليوني برميل يوميا إلى السوق، وهو الاقتراح الذي ظل مطروحا طوال الربع الأخير من العام الماضي ولم يتقدم أحد للاستفادة منه.
خلال العامين الماضيين ظلت المنظمة تنتج بأقصى طاقة متاحة لديها، كما بدأت العديد من الدول الأعضاء في مشاريع لزيادة الطاقة الإنتاجية لديها، بكل ما يعني ذلك من مخاطر مالية سواء من ناحية ضخ استثمارات مكلفة أو زيادة حجم الطاقة الإنتاجية المتاحة التي تلعب في أحيان كثيرة دورا ضاغطا على الأسعار كي تتراجع.
وباختصار، ظلت "أوبك" ملتزمة ووفية لالتزامها بضمان الإمدادات للسوق، ويتضح ذلك في أن أحدا لم يتجه إلى السوق بحثا عن إمدادات نفطية وعاد خائبا، بل ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى غض النظر عن جهود بناء المخزون رغم ما يشكله من خطورة مستقبلية على قدرة المنظمة في السيطرة على هيكل الأسعار الذي ترغب فيه.
لقد شكلت هذه الفترة علامة جلية في مدى التزام المنظمة بتوفير الإمدادات واستقرار السوق والحفاظ على معدلات معقولة للأسعار، لكن وضع السوق لا يقوم فقط على ما يمكن أن تفعله أو لا تفعله "أوبك" وحدها، فجانب المستهلكين له دور أساسي خاصة وبسياساتهم يؤثرون على الطلب وأحيانا الأسعار عن طريق استخدام المخزون أو اللجوء إلى بدائل أخرى في ميدان الطاقة بعيدا عن النفط.
لقد أريق حبر كثير حول ضرورة الحوار بين المنتجين والمستهلكين، وعقدت العديد من اللقاءات التي حققت بعض التقدم لجهة تناول قضايا الأسعار والتعاطي مع المنتجين كمجموعة واحدة، لكن لا يزال البون بعيدا عن حدوث اختراق ينقل الحوار بين الطرفين من مرحلته التجريدية السائدة حاليا إلى جوانب أكثر عملية.
والغريب أن المستهلكين يتحركون بمختلف الطرق حتى تلك غير المألوفة في مساعيهم لحماية مصالحهم، ولعل أبرز مثال في هذا الصدد تصرفات وزير الطاقة الأمريكي الأسبق بيل ريتشاردسون إبان إدارة بيل كلينتون الذي كان يرابط مع وزراء "أوبك" لحثهم على اتخاذ قرارات في اتجاه زيادة الإمدادات ورفع السقف الإنتاجي.
قد لا يكون مطلوبا من رئيس منظمة "أوبك" التصرف بالطريقة ذاتها، لكن من المهم أن تبذل المنظمة نشاطا ملحوظا يتجاوز اللقاءات البروتوكولية أو التركيز على العلاقات الثنائية بين منتج معين وإحدى الدول الرئيسية المستهلكة للبحث في العموميات الخاصة بتطورات السوق أو أوضاع الأسعار والإمدادات.
هناك استحقاقات للدول المستهلكة عليها الوفاء بها، والمنظمة قد وعت ومنذ زمن طويل بضرورة النأي عن تسييس السوق، لكن المطلوب يبقى بعيدا عن التسييس وفي اتجاه إيجاد المعادلة التي توفر للمنتجين صورة واضحة عما هو مطلوب منهم، وتحقيق التدفق المالي الملائم للوفاء باحتياجات بلدانهم والإنفاق في الوقت ذاته على برامج توسعة الطاقة الإنتاجية، وإيجاد الآلية المناسبة لحمل المستهلكين على التجاوب في هذا الاتجاه يعتبر أول تحديات العام الجديد.

**
[email protected]

الأكثر قراءة