"الأجواء مشرقة" في سوق الأسهم
يبدو أن هناك اتجاها قويا في أوساط المتداولين إلى تحويل صالات وشاشات التداول إلى ملاعب وصالات رياضية وذلك مع بداية العام الميلادي الجديد. وتبعاً لذلك فقد ظهر على سطح الإعلام الاقتصادي بعض الممارسات الإعلامية غير المنضبطة، ومن ذلك استعارة بعض المصطلحات الرياضية في التحليل المالي والتغطية الإعلامية لسوق الأسهم السعودية. فعلى سبيل المثال، شاهدت قبل أيام في إحدى الفضائيات التقرير اليومي للتعاملات اليومية في السوق السعودية. ومن الغرائب أن يسأل مقدم التقرير بعض المتعاملين في السوق عن انطباعاتهم حول السوق، ومن ثم يختتم التقرير بموجز عن أحوال السوق قائلاً إن "الأسمنت متألق"، ثم يعلق موضحاً أن "الروح المعنوية عالية" لدى اللاعبين – آسف المستثمرين- ومؤكداً في نهاية التقرير أن "الأجواء مشرقة" في الصالات أو المدرجات أي هما أفضل.
والواقع أن مثل هذه التحليلات لا تخدم بأي حال من الأحول المتعاملين في السوق لأنها لا ترقى إلى التحليل المالي المهني، بل وتتنافى مع الرسالة النبيلة للإعلام . إن عنصر التشويق والتسويق لقناة معينة أو برنامج معين يجب ألا يتخطى الحدود المهنية سواء للإعلام أو للتحليل المالي. فهل من المعقول أن توصف "الأجواء" بأنها مشرقة في صالة تداول وكأنك تتكلم عن تقرير للأحوال الجوية؟ وهل يعقل أن تصف سهما قبل افتتاح السوق بأنه "متألق" وكأنك تتحدث عن لاعب محترف في ناد رياضي. إن مثل هذه الممارسات لن تؤدي إلى ترشيد القرار الاستثماري، بل إنها في واقع الأمر تهمش دور المعلومات الأساسية والجوهرية في اتخاذ القرار.
ولا شك أن مثل هذه الممارسات توضح إحدى المشاكل التي تعاني منها سوق الأسهم السعودية حالياً وهي عدم التجانس بين التطور الحاصل في السوق وبين مستوى مهنة التحليل المالي Financial Analysis في المملكة . ونتيجة لذلك فإن بعض التحليلات لا تعدو كونها اجتهادات شخصية غير متقيدة بأدبيات التحليل المالي. والتحليلات المالية غير الموضوعية سوف تربك السوق لا محالة ، بل ستضر من لا يعرف معنى التحليل المالي أو لا يفرق بين التحليل المالي والرأي الشخصي.
إنه من غير المنطقي أن يقوم مقدم برنامج يومي ذي طابع تحليلي بجولة في صالات التداول ويسأل المتعاملين ذلك اليوم عن آرائهم في السوق والشركات، وكأنه يقوم بتغطية مباراة رياضية في الدوري الممتاز. إن التعامل الإعلامي مع أحداث السوق يجب أن ينطلق من أخلاقيات مهنتي الصحافة والتحليل المالي لتثقيف المستثمر وتوجيه قراراته. وفي الوقت نفسه فإن المتعاملين في السوق يجب أن يكونوا واقعيين في قراراتهم بالاعتماد على المعلومات الصحيحة والواقعية بدلاً من الاعتماد على الإشاعات التي تتطاير هنا وهناك. إن واقع الإشاعات غير المنطقية - مثل ما حدث في شركة المصافي الأسبوع قبل الماضي- ليذكرنا بحادثة "جحا" عندما كذب قائلاً إن في حي بني فلان وليمة زواج فتسارع الفقراء إلى ذلك الحي حتى لم ير جحا أحدا حوله فلحق بهم مصدقاً كذبته... فهل وجد "جحا" تلك الوليمة؟
* قسم المحاسبة ـ جامعة الملك سعود