رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


على طريق التغيير

في الوقت الذي تقدر فيه الوكالة الدولية للطاقة أن استمرار معدلات استهلاك النفط الحالية يمكن أن تؤدي إلى زيادة في الطلب بنحو 50 في المائة بحلول العقد الثالث من هذا القرن، وذلك بافتراض حدوث نمو سنوي في الاستهلاك في حدود 1.6 في المائة، فإن منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) حددت في تقريرها الأخير لهذا الشهر أن الربع الحالي سيشهد زيادة في الاستهلاك تصل إلى 276 ألف برميل يوميا، وبصورة عامة فإن معدل النمو على النفط هذا العام بلغ 1.4 في المائة أو 1.2 مليون برميل يوميا ليصبح إجمالي الطلب على النفط هذا العام 83.3 مليونا ترتفع العام المقبل إلى 84.8 مليونا بسبب الزيادة المتوقعة وتقدر بحوالي 1.8 في المائة أو مليون ونصف المليون برميل يوميا.
وأنه لمقابلة هذا الطلب المتصاعد بسبب استمرار الانتعاش الاقتصادي الذي اتضح أنه يحقق نسبة نمو تبلغ هذا العام 4.3 في المائة تتراجع قليلا العام المقبل إلى 1.4 في المائة. لكن في كل الأحوال لا تبدو هناك دلائل على حدوث تحطيم في الطلب على النفط كما جرت بعض التحليلات والتوقعات خلال الشهر الماضي تحديدا.
ويبدو أن هذا هو الدافع الأساسي وراء إطلاق التصريحات من بعض مسؤولي المنظمة وعلى رأسهم الشيخ أحمد الفهد الصباح وزير النفط الكويتي والرئيس الحالي لأوبك، الذي استبعد قيام المنظمة بخطوة في اتجاه خفض الإنتاج عندما يلتقي الوزراء في الثاني عشر من الشهر المقبل.
فرغم عدم قيام المستهلكين باللجوء إلى الأحتياطي الذي وفرته أوبك من طاقة إنتاجية تبلغ مليوني برميل يوميا لم يتم سحب كميات تذكر منها رغم قدوم فصل الشتاء واستمرار إغلاق العديد من المرافق النفطية في خليج المكسيك في الولايات المتحدة، إلا ان الإشارة إلى عدم الاستعداد لخفض الإنتاج في الوقت الراهن، رغم التحوط بالقول إن الوزراء سيقررون بشأن كل هذا الخطوات عند لقاءهم إلا أن المزاج العام داخل المنظمة يبدو أنه في اتجاه العمل على خفض الأسعار التي فقدت نحو 13 دولارا حتى الآن من القمة التي بلغتها في نهاية آب (أغسطس) المنصرم, عندما بلغ سعر البرميل 70.85 دولارا وظلت سلة أوبك للأسعار فوق الـ 50 دولارا بارتياح.
عوامل مثل عدم حدوث موجة برد رغم حلول فصل الشتاء لا تزال تلقي بظلالها على مسيرة الأسعار المتجهة إلى أسفل، وإذا نشطت عمليات استعادة المرافق النفطية في خليج المكسيك وعادت إلى العمل بطاقة كاملة، وإذا صدقت التقديرات فإن إنتاج النفط العراقي مرشح لزيادة، فإن هذا كله سيؤدي إلى توفير المزيد من الإمدادات للسوق ويمكن أن تصبح هي ذاتها أداة لدفع الأسعار إلى المزيد من الانخفاض.
واذا كان الأمر يبدو واضحا على مستوى المستقبل القريب على الأقل حتى نهاية هذا الربع ومن ثم العام، فإن السؤال الحقيقي سيطرح نفسه بقوة العام المقبل خاصة الربع الثاني عندما تؤدي فترة الدفء التي تشهدها تلك الفترة إلى العودة إلى أجواء الحديث عن خفض الإنتاج على الأقل، خاصة إذا نجح المنتجون خارج أوبك في زيادة إمداداتهم التي تبدو محدودة القدرة على التأثير حتى الآن.
ومرة أخرى سيكون على "أوبك" الإجابة عن السؤال المحوري عن المعدل السعري الذي ترغب فيه، وعلى ضوئه يمكن تحديد سقف الإنتاج وهل تظل المليونا برميل يوميا المطروحة كطاقة إنتاجية متوافرة أم لا. القرار الأولي بشأنها حدد فترة ثلاثة أشهر تنتهي الشهر المقبل، لكن قرار وقف العمل بها أو تجديدها يخضع لقراءة أوضاع السوق وفوق ذلك المعدل السعري الذي ترغب المنظمة في الوصول إليه والحفاظ عليه.
الفترة المقبلة وحتى لقاء الوزراء منتصف الشهر في لقائهم الدوري يمكن أن تشهد بعض التطورات فيما يتعلق بحالة الطقس وإلى أي مدى سيكون باردا أو دافئا بصورة عامة وانعكاسات ذلك على هيكل الأسعار، وكذلك الوضع فيما يتعلق بخليج المكسيك واستمرار النمو الاقتصادي وزيادة الطلب على النفط. وهذه الفترة الزمنية التي لا تشهد ضغوطا تذكر من السوق تحتاج إلى استغلالها بصورة أكثر رشدا مما حدث من قبل, وذلك للوصول إلى صيغة مقبولة فيما يتعلق بوضع الأسعار والبناء على الخطوط العريضة التي وفرتها الاستراتيجية بعيدة الأمد، التي أجيزت في اجتماع المنظمة الأخير قبل ثلاثة أشهر. وهي يمكن أن توفر أساسا للانطلاق منه للبحث في قضايا استقرار السوق المتشعبة من تحديد لمعدلات الأسعار ومن ثم الإنتاج وعلاقات المنتجين والمستهلكين.
وفي المقابل فإن المنظمة يمكن أن تتجه إلى الممارسة التقليدية بهدر الزمن ما دامت ليست معرضة لضغوط للتحرك واتخاذ قرارات مسبقة. فطبيعة مثل هذه المؤسسات الدولية أنها تقوم على توازنات والتوصل إلى قرارات بالإجماع في الغالب مالم يفرض عليها الواقع مسارا آخرا. وكانت هذه تحديدا إحدى متاعب المنظمة، وهاهي الفرصة تتاح للتغيير، فهل تفعل؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي