الرياض عاصمة الطاقة الدولية تكسب الرهان

الرياض عاصمة الطاقة الدولية تكسب الرهان

كسبت المملكة الرهان على أهمية الحوار بين الدول المصدرة والدول المستهلكة للذهب الأسود وضرورة وجود آلية تضمن ليس فقط استمرارية هذا الحوار بل أيضا وجود نتائج له على أرض الواقع.
ويتوج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرته والجهد الذي بذل لوضعها موضع التنفيذ غدا في الحي الدبلوماسي في الرياض من خلال افتتاح المقر الدائم للأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي.
وكان خادم الحرمين الشريفين قد دعا حينما كان وليا للعهد في كلمته أمام وفود منتدى الطاقة الدولي السابع الذي عقد في 21 شعبان 1421, 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2000, في الرياض، المملكة العربية السعودية إلى إنشاء أمانة عامة دائمة للمنتدى تعمل على تعزيز الحوار المستمر بين منتجي ومستهلكي الزيت والغاز على مختلف المستويات.
كما عرض في كلمته استعداد المملكة العربية السعودية لاستضافة الأمانة العامة المفتوحة حيث وجدت دعوته واقتراحه ترحيب وزراء الطاقة ورؤساء الوفود من 56 دولة ومنظمة شاركت في المنتدى السابع بالمبادرة لإدراكهم أن هذه الأمانة العامة ستتيح فرصا كبيرة لدفع الحوار بصفتها هيكلا للتنسيق والإعداد.
هذا الترحيب في عام 2000 بمبادرة خادم الحرمين الشريفين بإنشاء أمانة عامة لمنتدى الطاقة الدولي جاء بعد جهود جبارة بذلتها حكومة المملكة في إقناع الدول المصدرة والدول المستوردة للنفط بضرورة وجود آليات محددة وواضحة للحوار بين الطرفين.
وفي هذا الخصوص، يوضح خبراء في قطاع صناعة النفط لـ"الاقتصادية" أن جهود المملكة في هذا المجال جاءت نتيجة قناعة أساسية وفلسفة واقعية تؤكد أن التصادم بين الجانبين (المنتجين والمستهلكين) ليس في مصلحة كلا الطرفين".
ويضيف هؤلاء الخبراء الذين تحدثوا لـ"الاقتصادية" هذا الأسبوع وطلبوا عدم ذكر أسمائهم أن "الثمار التي بدأ عالم منتجي النفط ومستهلكيه يجنيها الآن ليست نتاج عملية ارتجالية بل ثمار علمية منظمة بوعي وإدراك وتفعيل مسبق".
وسعت المملكة لوضع وجهة نظرها موضع التطبيق الفعلي ووضعت النموذج لبقية دول العالم عبر قيامها بتأسيس لجان تعاون فنية مع غالبية دول العالم حتى "أصبحت الدولة الوحيدة تقريبا من بين الدول المنتجة للنفط والدول المستهلكة التي تحتفظ بمثل هذه اللجان".
وهذه الجهود العظيمة والنجاح الكبير لا تتحقق كما قال وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي بن إبراهيم النعيمي في كلمة ألقاها خلال حفل الوزارة لتكريم الأشخاص والجهات التي ساهمت وشاركت في المنتدى السابع "إلا بالرجال ذوي الهمم العالية والإخلاص والتفاني في العمل".
وقال وقتها "حقيقة فإن افتتاح الأمير عبد الله بن عبد العزيز المنتدى واقتراحه إنشاء أمانة دائمة للمنتدى هو قمة العمل وقمة النجاح وبداية الخطوة التالية والمسؤولية الأكبر لبناء سوق بترولية دولية تتسم بالتعاون والتنسيق والاستقرار والتفاهم ومبنية على الدراسات الجادة حيث تلعب المملكة دورا أساسيا في هذه المجالات يعكس أهميتها البترولية إنتاجا وتصديرا وتصنيعا واحتياطيا يشكل ربع ما هو معروف عالميا".
وهكذا فإن "ميلاد الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي نتاج لعملية موضوعية شاقة، متدرجة ومتراكمة، بدأت مع محاولات تلمس جسور دائمة للحوار ما بين المنتجين والمستهلكين في 1991، على قاعدة المصالح المشتركة والاعتماد المتبادل ما بينهم"، بدلا من حالة الشك وتبادل الاتهامات بين الجانبين كلما حدثت هزة في إمدادات الطاقة نتيجة أزمة عالمية هنا أو هناك.
ووفقا للخبراء، فإن الحوادث التي مرت على مختلف دول العالم بدءا من الثمانينات وأدت إلى انخفاض إمدادات النفط وتحميل الدول المستهلكة الدول المصدرة اللوم في هذا الانخفاض "أثبتت صحة الرهان السعودي على أهمية الحوار بين الطرفين"، وذلك على الرغم من "الممانعات والتشكيك في جدوى وجود هيئة دائمة مثل الأمانة العامة للمنتدى".
ويشير إدوارد بورتر، مدير الأبحاث في معهد النفط الأمريكي، في مقال له في "الاقتصادية" اليوم إلى تعرض العالم لانقطاعات رئيسية متعددة منذ عام 1980، وذلك كما حصل مع قيام الثورة في إيران وعند غزو الكويت في عام 1990، وغزو العراق في عام 2003.
وهذه المشاكل والأحداث والأزمات المختلفة التي واجهها العالم لم تكن المملكة طرفا فيها بأي شكل من الأشكال.
ويؤكد بورتر أنه "خطأ أساسي أن يتم توصيف مشكلة الإمدادات كمشكلة شاملة للبلدان المستهلكة ناجمة عن التصرفات غير الودية المتكررة من قبل البلدان المنتجة".
ويضيف "منذ أواخر السبعينيات، فإن كل انقطاع كان يعزى إما للصراع بين البلدان المنتجة أو الحصارات المفروضة من قبل البلدان المستهلكة".
ويأتي تأسيس الأمانة العامة في مقرها الرئيسي في الرياض ليسهم في "إحداث نقلة في عمل المنتدى، فهي بمثابة البوصلة التي تحدد الاتجاه من جهة، علاوة على ضبطها إيقاع الحوار وضمان انتظامه، بشكلها المؤسسي الدائم".
و"أثبتت السنوات الماضية أن الحوار بين المنتجين والمستهلكين وسيلة فعالة للتباحث حول قضايا الطاقة الدولية المهمة وهذا بدوره يؤدي إلى المزيد من التفهم والتنسيق بين متخذي السياسات في الدول المنتجة والمستهلكة للزيت والغاز"، كما جاء في تقرير عن الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي.
ومن المعروف "أن الطاقة تلعب دورا مهما في اقتصاد الدول المنتجة والمستهلكة وتشكل المبادلات التجارية فيها جزءا كبيرا في التجارة العالمية وأصبحت العلاقات الخاصة بالطاقة حيوية بالنسبة لصحة الاقتصاد العالمي كما هي للدول المنتجة والمستهلكة" ومن هنا كان الرهان الذي كسبته الرياض التي يمكن أن توصف بحق بأنها "عاصمة الطاقة العالمية".

الأكثر قراءة