ارتفاع أسعار النفط يحرّك العالم للاستفادة الفعلية من المصادر غير التقليدية
يقدر المختصون أن ما يملكه العالم من مصادر نفطية غير تقليدية تفوق بمراحل الكميات المعلن عنها من النفط التقليدي. ومع الارتفاع الكبير في أسعار النفط العالمية ووصولها إلى مقربة من 150 دولارا للبرميل في تموز (يوليو) الماضي، فقد أصبح الاستثمار بمثل هذه النوعية من النفوط واعداً ومجديا اقتصادياً.
الجدير بالذكر أن معظم هذه الأنواع من النفوط هي من الأنواع التالية:
* النفط الشديد الكثافة.
* النفط الصخري.
* النفط الرملي.
* نفط الغاز الطبيعي GTL.
* نفط الفحم الحجري CTL.
يعرض الجدول، وبحسب تقرير (أوبك) لعام 2008م، كميات الإنتاج العالمي من هذه النفوط وتوقع زيادة هذا الإنتاج بمرور السنين. ويبدو واضحاً أن نفط الرمال الكندي يعد من أهم موارد النفط غير التقليدي، إذ تشير التقديرات إلى وجود احتياطات نفطية رملية تقدر بنحو 1.6 تريليون برميل من مادة البتومين الصلبة، هذا مع العلم أن الاحتياطات العالمية من النفط العادي تقدر، بحسب تقرير شركة بريتش بتروليوم (BP) لعام 2008م بنحو 1238 مليار برميل. وتجدر الإشارة إلى أن الاحتياطات العالمية من النفط العادي، وبحسب التقرير نفسه، قد صعدت بنحو 16 في المائة منذ عام 1997م، ولكن الاحتياطات العالمية المسجلة في 2007م نقصت قليلاً عن تلك المسجلة في 2006م، في إشارة إلى قلة الاكتشافات النفطية الجديدة.
يبدو واضحاً أن الاحتياطات من نفط الرمال لوحده أكثر من الاحتياطات العالمية الحالية من النفط العادي مجتمعة، لكن تكمن المعضلة في أنه من 1.6 تريليون برميل يتوقع الاستفادة من 170 مليار برميل فقط بواسطة التقنيات الموجودة حالياً وبدراسات الجدوى الاقتصادية، إذ إنه لا يخفى على المراقب أن مثل هذه الأنواع من النفط تحتاج إلى استثمارات هائلة للاستفادة منها، ومن أجل ذلك لا يكون الاستثمار بمثل هذه الأنواع من النفوط غير التقليدية مغرياً اقتصادياً إلا إذا ارتفع سعر النفط التقليدي وأصبح سعره عالياً، عندئذ تفكر الشركات في استخراج مثل هذه الأنواع من النفط، وهذا يؤكد حقيقة أنه يجري حالياً العمل على تطوير والاستفادة من 20 مليار برميل فقط من نفط الرمال غير التقليدي.
معظم النفط الرملي غير التقليدي يوجد في كندا، ومع ارتفاع أسعار النفط التقليدية وتقدم التقنية التي تعالج وتكرر مثل هذه الأنواع من المواد النفطية، فإنه من المتوقع أن يرتفع الإنتاج الكندي من هذه الأنواع من النفوط بشكل كبير. فعلى سبيل المثال وصل كمية ما أنتجته كندا من هذا النفط 1.1 مليون برميل يومياً في 2006م. وبحسب تقرير (أوبك) لعام 2008م فإن هذه الكمية من المتوقع أن تزداد إلى ثلاثة ملايين برميل في 2015، وستصل إلى خمسة ملايين برميل عام 2030م. يذكر أن إنتاج كندا من النفط العادي بلغ عام 2007م نحو 3.3 مليون برميل يومياً، ويبدو واضحاً وجلياً أن إنتاج كندا من النفط غير التقليدي سيتعدى ما تنتجه من النفط العادي قبل حلول عام 2020م.
لا يمكن المضي قدماً في تطوير حقول نفط الرمال غير التقليدية ما لم يتوافر عاملان، أولهما الجدوى الاقتصادية، وهي مربوطة مباشرة بأسعار النفط التقليدية العالمية، والعامل الثاني وجود التقنيات الحديثة التي تستطيع استخراج أكبر كمية من النفط وتكريرها بأسعار مربحة تجعل من العوائد الاستثمارية على مثل هذه المشاريع مجديا اقتصادياً.
وفي هذا السياق فقد ارتفعت أسعار النفط التقليدي عامي 2007م و2008م ارتفاعات خيالية ألهبت معها قلوب المستثمرين بمثل هذه المشاريع، وعلى هذا الأساس تم العمل والتخطيط على القيام بعدة مشاريع لإنتاج النفط من الرمال النفطية الكندية أهمها مشروع البحيرة الطويلة الذي سينتج نحو 60 ألف برميل يومياً خلال العام الجاري. أيضا ستبدأ المرحلة الأولى للإنتاج من حقل الآفاق الكندي الذي تبلغ طاقته 110 آلاف برميل يومياً، وستبدأ أيضا المرحلة الأولى من مشروع جاكفش لإنتاج 35 ألف برميل يومياً. وكما ستقوم شركة سنكور بالعمل على توسعة بعض حقولها من طاقة إجمالية تصل إلى 90 ألف برميل يومياً إلى 350 ألف برميل يومياً، أي بنحو ثلاث مرات ونصف، إضافة إلى نحو عشرة مشاريع تطمح بإضافة 1.5 مليون برميل من النفط الرملي ما بين عام 2013 وعام 2018م. لكن ارتفاع أسعار كثير من المواد الأولية المساعدة على إنشاء مثل هذه المشاريع، إضافة إلى تصاعد أسعار اليد العاملة الماهرة وقلة وجودها، وازدياد التشريعات البيئية تعقيداً، سوف يؤخر دون أدنى شك إتمام الكثير من هذه المشاريع عن موعدها.
أما الأنواع الأخرى من النفوط غير التقليدية مثل النفط الصخري (Oil Shale) فلا يتوقع أن يزداد إنتاجه كثيراً، لكن تبقى الإضافات المهمة هي تلك القادمة من تحويل الغاز الطبيعي GTL إلى نفط والأخرى التي تحول الفحم الحجري CTL إلى نفط، إذ تشير التوقعات إلى وصول ما سينتجه العالم من النفط بواسطة عمليات GTL إلى 3.7 مليون برميل يومياً بحلول عام 2030م، وسوف تنتج دول (أوبك) أكثر من 86 في المائة من هذه الكمية، أما من خارج (أوبك) فعظم الإنتاج سيأتي من جنوب إفريقيا، أستراليا، الصين، وماليزيا. أما إنتاج النفط بواسطة تحويل الفحم الحجري بعمليات CTL فيتوقع أن يزداد من 160 ألف برميل عام 2006م إلى 1.5 مليون برميل في 2030م. وتعد جنوب إفريقيا والولايات المتحدة والصين من الدول الرائدة في إنتاج نفط الفحم الحجري غير التقليدي.
وختاماً لابد من التنبيه بأن مشاريع CTL وGTL تعد من المشاريع باهظة التكلفة، وارتفعت تكلفة إنشاء العديد من هذه المشاريع كثيراً عن الأرقام الأولية المتوقعة، ما أوقف وأخّر العديد من هذه المشاريع.
الحقيقة أن الاستثمار بمشاريع إنتاج النفط غير التقليدي مرهون بعامل رئيس، وهو أسعار النفط العالمية، إذ إنه من غير المنطقي الاستثمار في إنتاج برميل نفط قد تصل تكلفته إلى أعلى من 60 دولارا للبرميل ما لم تصل أسعار النفط إلى 80 دولارا أو أعلى. وتشهد أسعار النفط التقليدي تقلبات كبيرة، إذ اقتربت أسعار خام تكساس الأمريكية من 150 دولارا للبرميل في تموز (يوليو) 2008م لتتراجع إلى منطقة 80 إلى 90 دولارا للبرميل في أقل من ثلاثة أشهر، وقد تصل إلى 75 دولارا للبرميل، ما يعني أن أسعار النفط قد نقصت بنحو 50 في المائة في أقل من عام.
كل هذه التقلبات الكبيرة وغير المسبوقة لا تساعد على الاستثمار في مشاريع النفط التقليدية فضلاً عن غير التقليدية، لذلك فإن ارتفاع تكلفة النفط غير التقليدي، إضافة إلى العوامل البيئية المثيرة للجدل المرتبطة بمثل هذه الأنواع من النفوط، تجعل هذا النفط لا يستطيع منافسة النفط التقليدي، لذلك فإن معظم الدول لا تقوم بالعمل على إنتاجه في الأوقات الحالية، وقد يكون مثمراً في المستقبل عندما ينتهي عصر النفط التقليدي، لكن ستحكم تلك الفترة تشريعات بيئية صارمة قد تعوق من استخدام النفط غير التقليدي بسبب كميات الانبعاثات الكبيرة الناتجة عن احتراقه.