الخليجيون يقيمون السوق المشتركة وتأثيرات الأزمة العالمية في اقتصاداتهم
تجري حاليا الترتيبات لتنظيم ملتقى خليجي في الرياض خلال النصف الأول من العام المقبل 2009 لبحث عدد من الملفات الخليجية الاقتصادية والاستثمارية، وسط التركيز على ملف السوق الخليجية المشتركة كعنوان رئيسي له لأهميته وبلوغه مستويات عالية وتحقيق منجزات طيبة في تعميق مفهوم المواطنة الاقتصادية، على الرغم من وجود بعض العقبات التي تحاول حكومات دول الخليج تجاوزها وتخطي ظروفها.
ومعلوم أن السوق الخليجية المشتركة دخلت حاليا مرحلة المتابعة والتقييم بعد أن تجاوزت دول المجلس مرحلة الإعداد والإعلان عنها وبدء التنفيذ الفعلي لها مطلع هذا العام 2008. وتتم مرحلة تنفيذ السوق داخل كل دولة من الدول الأعضاء حسب إجراءاتها الدستورية والقانونية، وتقوم بالتنفيذ الأجهزة الحكومية المختلفة المختصة بمجالات السوق العشرة، وهي: التنقل والإقامة، العمل في القطاعات الحكومية والأهلية، التأمين الاجتماعي والتقاعد، ممارسة المهن والحرف، مزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية، تملّك العقار، تنقل الرساميل، المعاملة الضريبية، تداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات، والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية.
وينتظر أن يشهد الملتقى مشاركة واسعة من المسؤولين الخليجيين بالتعاون مع الأمانة العامة لدول مجلس التعاون، ما سيدفع إلى مشاركة قطاعات وأجهزة حكومية وغير حكومية في دول الخليج للمشاركة وحضور فعاليات المنتدى، إضافة إلى أجهزة قطاع الأعمال من الغرف التجارية ومجالس الغرف والمراكز المتخصصة في الشأن الخليجي. ووفقا للجنة المنظمة للملتقى، فإن عددا من المواضيع الساخنة ستكون أمام نقاشات الخليجيين تتصدرها إشكالية أزمة الأسواق المالية العالمية، ووضع السياسة المالية والنقدية في المنطقة، بينما ستركز المحاور الرئيسة على السوق الخليجية المشتركة باعتبارها الملف الاقتصادي الأبرز في الساحة الخليجية حاليا. كما سيناقش الحدث وضع السوق الخليجية المشتركة وقراءة المعوقات الحالية مع تطورات الأوضاع المالية والاقتصادية العالمية وربطها بالانعكاسات والتأثيرات التي طالت اقتصادات دول مجلس التعاون وما ستؤدي إليه حاليا وعلى المديين المتوسط والقريب، وسط تهديدات جادة ربما تؤثر في أهم القرارات المرتقبة المتمثلة في طرح العملة الخليجية الموحدة في موعدها المحدد سابقا في مطلع العام 2010. وشهدت وزارات المالية والاقتصاد ومؤسسات النقد والبنوك المركزية في دول الخليج تحركا خلال الفترة الماضية للتنسيق فيما بينها حول حماية اقتصاداتها من أزمة الأسواق المالية الراهنة التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من أن بعض المسؤولين على هرم وزارات المالية والاقتصاد ومؤسسات النقد ذكروا أن الخطة ماضية ولن يعطلها مانع، بل ذهب بعضهم إلى تأكيد أن أزمة الأسواق العالمية تمثل دافعا لتسريع العمل بالعملة الخليجية الموحدة.
وكانت دول الخليج قد أقرت لتحقيق السوق المشتركة في نهاية 2003 آلية متابعة سير العمل بعد أن سبقتها خطوة المواطنة الاقتصادية التي لقيت نجاحا ملموسا في تطبيق موادها وحيثيات تطبيقها، حيث قامت اللجان الوزارية المختصة باقتراح الآليات اللازمة لاستكمال تطبيق السوق الخليجية المشتركة وفق البرنامج الزمني المحدد، وتكليف لجنة التعاون المالي والاقتصادي بمتابعة سير العمل في السوق الخليجية المشتركة في ضوء قرارات المجلس الأعلى والاتفاقية الاقتصادية، وتقييم المرحلة التي وصل إليها التطبيق في كل جانب من جوانبها، ودراسة ما يواجه التطبيق من عقبات واقتراح الآليات اللازمة لتذليلها.
وتأتي أهمية السوق المشتركة التي تعد المرحلة الثالثة من التكامل الاقتصادي الخليجي الذي بدأ بقيام التجارة الحرة ثم الاتحاد الجمركي لتليها آخر مرحلة الاتحاد النقدي والعملة الموحدة المقرر لها في 2010 إذا ما استكملت متطلباتها في حينه، بأنها تركز على المواطنة الخليجية في المجال الاقتصادي وتقوم على مبدأ أساسي هو أن يتمتع مواطنو ومواطنات دول المجلس والمؤسسات الخليجية بالمعاملة الوطنية في أي دولة من الدول الأعضاء بحيث تتوافر لهم جميع المزايا التي تمنح للمواطنين في جميع الأنشطة الاقتصادية، سواء من حيث الممارسة كمستثمر أو الاستفادة من الخدمة التي كانت تحكمها ضوابط وقيود تم إلغاؤها في قمة الدوحة، باستثناء ما يسمى القائمة السلبية التي أصبحت مقصورة على أربعة أنشطة اقتصادية من المساواة الاستثمارية وتشمل: خدمات الحج والعمرة، الاستقدام، الصحف والمجلات، والوكالات التجارية.
وفي هذا السياق، قال تقرير متخصص صدر عن بنك الكويت الوطني أخيرا إن السوق الخليجية المشتركة توفر حرية تنقل القوى العاملة الرساميل بين دول الخليج مع منح مواطنيها حقوقا متساوية في المناحي الاقتصادية كافة، كما تشجع دول الخليج دون إلزامها على توحيد قوانينها وتشريعاتها في هذه المجالات.
وأوضح التقرير، أن المرونة التي توفرها السوق الخليجية المشتركة بخصوص حرية العمل للمواطنين وللرساميل سيكون لها انعكاسات إيجابية على اقتصادات دول الخليج تتجاوز ما وفرته منطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي. وأضاف أنه تبعا لإعلان الدوحة الصادر في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي فإن السوق الخليجية المشتركة ستوفر عديدا من المزايا لمواطني دول الخليج التي من أهمها استكشاف الفرص المتاحة في الاقتصادات الخليجية وتعزيز الاستثمارات البينية والأجنبية والاستفادة من الميزات المرتبطة بكبر حجم المنشأة الاقتصادية وتعزيز الإنتاجية والتوزيع الأمثل للموارد، إلى جانب تدعيم القوة التفاوضية لدول الخليج مع بقية التكتلات الاقتصادية الرئيسة.
وحول إمكانات السوق الخليجية، قال التقرير إن التقديرات تشير إلى أن عدد سكان دول الخليج بلغ 37 مليون نسمة في عام 2007 منهم نحو 60 في المائة مواطنون، والبقية يمثلون أفراد العمالة الوافدة وعائلاتهم. وأضاف أنه على الرغم من صغر الحجم نسبيا، إلا أن دول الخليج تتمتع بمستويات معيشة مرتفعة، كما يعكسها الدخل الفردي من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ 22 ألف دولار في عام 2007. وأوضح التقرير، أنه على الرغم من النمو الملحوظ الذي شهدته التجارة الخارجية في السنوات الأخيرة، إلا أن حجم التجارة البينية الخليجية ما زال متواضعا وفي حدود 7 في المائة من إجمالي تجارتها الخارجية. كما ذكر أن اقتصادات دول الخليج تعتبر منفتحة على العالم الخارجي حيث يشكل قطاع النفط العمود الفقري لمعظم اقتصاداتها بإسهامه بنحو نصف إجمالي الناتج المحلي، 75 في المائة من إجمالي الصادرات السلعية، و 85 في المائة من جملة الإيرادات الحكومية.