"أوبك" تتحرك بحذر لتنشيط الطلب ودعم الأسعار في أسواق النفط

 "أوبك" تتحرك بحذر لتنشيط الطلب ودعم الأسعار في أسواق النفط

كان يوم السادس عشر من الشهر الحالي حاسما لجهة قرع أجراس الخطر ولفت أنظار الدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" إلى أن شيئا ما يجري في السوق النفطية يتجاوز مجرد تراجع سعر البرميل بأكثر من 50 في المائة من قمة 147 دولارا التي بلغها في تموز (يوليو) الماضي.
ففي ذلك اليوم تراجع سعر البرميل إلى أقل من 70 دولارا، وأصبح التركيز يتجه شيئا فشيئا إلى حقيقة تراجع الطلب الذي يعتقد بعض الخبراء أن الاستهلاك العالمي قد تقلص هذا العام ولأول مرة منذ عام 1983.
ولهذا قدمت المنظمة اجتماعها الطارئ لفترة ثلاثة أسابيع إلى يوم الجمعة الماضي، علما أن اجتماع كانون الأول (ديسمبر) في وهران لا يزال قائما. وفي هذا الإطار جاء قرار خفض مليون ونصف المليون برميل يوميا الذي سيدخل حيز التنفيذ ابتداء من مطلع الشهر المقبل خطوة أولية ومراقبة كيف سيستوعبها السوق كما قال المهندس علي النعيمي وزير النفط السعودي، وهو أول من أذاع خبر القرار الجديد على الصحافيين.
وحتى قبل الاجتماع، فإنه وبسبب قلة المشترين تراجع إنتاج المنظمة في الشهر الماضي لأول مرة بعد تصاعد مستمر في الأشهر الأربعة السابقة حتى وصل إلى أعلى معدل له منذ منتصف عام 2006.
وتشير التوقعات إلى أن الطلب سيشهد نموا خلال الربعين الحالي والأخير من العام بنحو نصف مليون برميل يوميا، لكن الربع الأول من العام المقبل قد يشهد فائضا في حدود المليون ونصف مليون برميل، ويعود ذلك إلى أن الإمدادات من خارج "أوبك" ستتجاوز النمو المتوقع في الطلب، وهو ما سيثير تحديات رئيسية أمام المنظمة تتمثل في ضمان حصتها ونصيبها في السوق البالغة 40 في المائة, إضافة إلى احتياطياتها الضخمة. ووفقا للتقديرات الشهرية لأوبك، فإن الطلب سيتراجع هذا العام بنحو 330 ألف برميل يوميا والعام المقبل بنحو 450 ألفا. وهذا استنادا إلى التراجعات التي حدثت بالفعل بسبب الأسعار المرتفعة خلال فترة السنوات القليلة الماضية وتصاعدت بصورة ملحوظة خلال العامين المنصرمين، وأبرز ملامحها ما حدث على الساحة الأمريكية، التي تراجع استهلاكها من النفط إلى أقل معدل له خلال فترة خمس سنوات ليبلغ 18.6 مليون برميل يوميا، والشيء نفسه ولو بصورة أقل في دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي التي تضم الدول الصناعية الرئيسية. وعبر هذا الوضع بصورة مختلفة من خلال تدني مبيعات السيارات إلى أقل مستوى خاصة في أوروبا منذ عام 1990. بل حتى الصين التي شكلت إلى حد كبير منطقة نمو في الطلب على النفط بسبب نشاطها الاقتصادي. فقد تراجع معدل النمو في الميدان الاقتصادي إلى نحو 9 في المائة، كما أن طلبها على النفط الخام شهد تراجعا الشهر الماضي إلى 3.67 مليون برميل يوميا، ورغم ذلك يظل أعلى مما كان عليه قبل عام.
ويلاحظ في الحالة التي تمر بها السوق في الوقت الراهن أن الأساسيات الخاصة بالعرض والطلب تأخذ موقعا أكثر أهمية على حساب العوامل الأخرى من سياسية ونفسية ومضاربة لعبت دورا أكبر في تحريك سعر البرميل خلال الفترة الماضية.
ويعود هذا إلى الأزمة المالية التي ألقت بثقلها على مختلف الاقتصادات العالمية بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا. ومع أن الصين والهند والاقتصادات الناشئة لم تكن طرفا مباشرا في الأزمة، إلا أن مناخ العولمة وترابط الاقتصادات العالمية حيث تحتاج الصين مثلا إلى نمو في الاقتصاد الأمريكي كي تتمكن من الاستمرار في التصدير إلى السوق الأمريكية، ولهذا لم يكن مفاجئا حدوث تباطؤ ولو بصورة طفيفة في الأداء الاقتصادي للصين أخيرا.
خطوة أوبك خفض مليون ونصف مليون برميل يوميا تبدو ملائمة للوضع الذي تمر به السوق في الوقت الحالي وحتى المستقبل المنظور. فتنشيط الطلب أصبح القضية المقدمة على الدفاع عن سعر البرميل. ولهذا فإن الدعوة إلى خفض أكبر من ذلك يمكن أن تقضي على فرص الانتعاش الاقتصادي من جديد، وأي منتج لا بد أن يضع عينه على وضع المشترين.
الجانب الآخر الذي يتوقع له أن يبرز هو المتعلق بالتسعير، وتحديدا إذا كانت المنظمة ستعود إلى فكرة النطاق السعري التي جربتها في عام 2000 عندما حددت نطاقا بين 22 إلى 28 دولارا ليتحرك سعر البرميل بينهما، فإذا ارتفع على ذلك النطاق يتم ضخ نصف مليون برميل يوميا بصورة تلقائية وإذا تراجع عن ذلك النطاق يتم سحب نصف مليون برميل أخرى. ولعل هذا ما تحتاج إليه السوق في أجواء التقلبات التي تعيشها في الوقت الحالي.

الأكثر قراءة