في انتظار الرياض

في انتظار الرياض

الاجتماع الطارئ الذي دعت إليه منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) الشهر المقبل، استباقا لاجتماع آخر كان ينبغي أن يعقد في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، سيركز الأضواء والاهتمام على ما يمكن أن تقوم به الرياض أكثر من أي وقت مضى.
وهذا الاهتمام لا ينبع فقط من كون السعودية تعد بمثابة المصرف المركزي عندما يتعلق الأمر بالصناعة النفطية، بسبب احتياطيها النفطي الضخم، وطاقتها الإنتاجية العالية ومنافذها التصديرية المتعددة، وفوق هذا كله إمكانية الاعتماد عليها مصدرا مأمونا لتزويد السوق بما تحتاج إليه، وإنما هناك سبب آخر يتمثل في توافر الإرادة واتخاذ قرارات ذات طبيعة حاسمة تؤثر في مسار السوق وتطورات الصناعة النفطية.
ففي مطلع الثمانينيات استمرأت كل الدول الأعضاء في (أوبك) تقريبا اتجاه سعر البرميل إلى أعلى وطفقت ترفع من السعر وتعلي من الفروقات، الأمر الذي كاد يهدد مستقبل الاعتماد على النفط مصدرا للطاقة. الخطوة الأولى التي اتخذتها السعودية تمثلت في الإبقاء على السعر الذي تبيع به نفطها منخفضا عن الآخرين، لكن بما أنه لا يمكنها تلبية كل احتياجات المستهلكين، فإن المشكلة ظلت قائمة، الأمر الذي دفعها إلى خطوة جريئة قامت بموجبها بالتخطيط لإحداث تخمة في الأسواق لتفرض تراجعا سعريا. ونتيجة لذلك تصاعد إنتاج السعودية في مطلع عقد الثمانينيات إلى عشرة ملايين برميل يوميا، وهو ما أدى إلى النتيجة المأمولة بتوحيد سعر البرميل ومن ثم فتح الباب أمام الاستراتيجية بعيدة الأمد التي هدفت إلى إحداث نوع من الاستقرار يعرّف المستهلكين كم سيدفعون ثمنا للبرميل، كما يمكن للمنتجين حساب العائدات التي يمكنهم تخطيط أوضاعهم على ضوئها.
الخطوة الجريئة الثانية تمثلت في تحمل السعودية دور المنتج المرجح وذلك في عام 1983، وعقب التوصل إلى أول اتفاق قامت (أوبك) بموجبه بخفض سعر الإشارة الذي كانت تبيع به نفطها وذلك لأول مرة في تاريخها، حيث بلغت نسبة الخفض 15 في المائة وقتها. لكن واقع الحال وعدم التزام الدول الأعضاء بمعدلات الحصص التي وافقت عليها جعلا من الصعوبة الاستمرار في ذلك النهج، خاصة بعد تدني الإنتاج النفطي السعودي إلى أقل مما كانت تنتجه بريطانيا من بحر الشمال وقتها، وهو وضع ليس مبررا لأنه ببساطة نتيجة لضخ الأعضاء الآخرين إمدادات إضافية لم يكن من المفترض قيامهم بها، وهذا ما دفع إلى الخطوة الثالثة المتمثلة في اشتعال حرب الأسعار في منتصف عقد الثمانينيات، وهي انطلقت بداية من السعي إلى استعادة نصيبها من السوق ومن ثم التخلي عن السعر الرسمي.
ورغم أن تلك الحرب استمرت بضعة أشهر، إلا أن محصلتها النهائية تلخصت في تخلي المنظمة ككل عن استراتيجية الدفاع عن السعر الرسمي وتعظيم العائدات المالية إلى زيادة نصيب المنظمة عموما في دولها الأعضاء في سوق المبيعات النفطية. وهذه الاستراتيجية التي استمرت عقدا من الزمان نجحت في إضافة قرابة مليون برميل يوميا إلى نصيب المنظمة ورفع بنحو عشرة ملايين برميل إلى 26 مليونا في ظرف عقد من الزمان.
الخيار يبدو مختلفا هذه المرة، فالمطروح على المحك خفض للإنتاج كما هو متوقع من الاجتماع الطارئ في الشهر المقبل، لكنه الخفض المستهدف سيكون مواجها في جوهره لا بقضية الدفاع عن الهيكل السعري، وإنما لمواجهة تضعضع الطلب بصورة كبيرة، والدليل على ذلك أن الخفض المقترح يفترض أن يتم والسوق مقبلة على موسم الشتاء حيث يزيد الطلب عادة.
سعر البرميل الذي تصاعد بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين فعل فعله في التأثير في الطلب خاصة في الأسواق الأكثر حساسية لضغط العامل السعري. ووفقا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن حجم الطلب في الولايات المتحدة بلغ 18.6 مليون برميل يوميا مطلع الشهر الحالي، بتراجع 8.6 في المائة عما كان عليه قبل عام.
وعليه، فهل يتم خفض الإنتاج للدفاع عن السعر كما تدعو بعض الدول بقيادة إيران وفنزويلا، أم يتم الخفض لأنه ليس هناك طلب كاف، ومن ثم السماح لسعر البرميل بالتدهور إلى المدى الذي يمكن أن يسهم به في الإنعاش الاقتصادي الذي يحتاج إليه العالم الذي بدأ يلفه ركود في طريقه ليغطي معظم الأسواق العالمية؟
وهذا ما ينتظر الرياض بصورة أساسية، وإلى أي مدى يمكنها مواجهة بقية الأعضاء واستخدام ما هو متاح لها من أوراق كما حدث من قبل، وفي إطار من المرونة التي تميزت بها، لكنها قادرة على الحسم مثلما حدث من قبل ومن خلال النماذج المذكورة آنفا، خاصة أن هناك حاجة عالمية هذه المرة إلى أن يسهم تخفيض سعر برميل النفط في انحسار حالة الكساد الاقتصادي.

[email protected]

الأكثر قراءة