التخزين والتكلفة يقفان عقبة أساسية أمام استغلال الطاقة الشمسية تجاريا
تشير القياسات إلى أن الكرة الأرضية تستقبل ما يقارب 17 10×3.8 جيجاوات من الطاقة الشمسية، هذه الكمية الهائلة تعادل 12 10×34 ضعف ما ينتجه العالم اليوم من الطاقة. إذا استطعنا تطوير تقنيات مناسبة لحصد الجزء اليسير من هذه الطاقة نكون قد وضعنا أيدينا على مصدر نظيف لا يضر بالبيئة ولا ينضب على الإطلاق.
الأشعة الشمسية يمكن استخدامها مباشرة في إنتاج الكهرباء عن طريق الخلايا الضوئية Photoroltaics cell أو غير مباشرة في تسخين المياه والهواء للاستخدامات المنزلية عن طريق المجمعات الشمسية Solar collectors. هناك أيضا بعض الاستخدامات غير المباشرة تتمثل في تركيز الأشعة الشمسية عن طريق أطباق التركيز المقطعية Parabolic dish concentrators لإنتاج بخار الماء اللازم لإنتاج الكهرباء أو في تحفيز العمليات الكيميائية الخاصة بإنتاج غازات الوقود وإعادة تحويل الميثان Steam methane reforming لإنتاج الهيدروجين.
من بين كل مصادر الطاقة المتجددة، تعد الطاقة الشمسية ذات أهمية خاصة بالنسبة لمنطقة الخليج العربي والشرق الأوسط عموما، حيث تقع هذه المنطقة فيما يعرف بالحزام الشمسي الواقع ما بين خطي عرض 12 و35 شمالا، والتي تتميز بالحرارة العالية وقلة السحب والأمطار، لذلك يتركز اهتمام العالم اليوم على هذه المنطقة باعتبارها مصدر الطاقة المستقبلية الذي لا ينضب.
في إحدى الدراسات التي أجرتها منظمة أوبك قبل أكثر من 30 عاما، قدرت احتمالات الطاقة المنتجة من أشعة الشمس في السعودية بما يعادل 114700 برميل نفط يوميا. بالطبع إذا أخذنا في الحسبان التطور الهائل في تقنية استخدام الطاقة الشمسية في الأعوام القليلة الماضية، فإن الاحتمالات الحقيقية تفوق عشرات المرات هذه التقديرات المتواضعة.
مما لا شك فيه أن معظم دول الشرق الأوسط النفطية ليست بحاجة ملحة إلى مصادر بديلة للطاقة، على الأقل في الوقت الراهن، إلا أن الدول الصناعية الكبرى في أشد الحاجة إلى ذلك لأسباب تتعلق بشكل رئيسي بتكلفة الوقود التقليدي والتزامات دولية بخصوص خفض التلوث البيئي.
في الواقع أدركت معظم دول العالم أهمية الأشعة الشمسية كمصدر فعّال للطاقة منذ أكثر من 50 عاما، إلا أن هذه التقنية لم تجد الاهتمام المناسب الذي وجدته مثيلاتها من الطاقات المتجددة إلا أخيرا، وذلك يعزى لعدد من الأسباب يمكن تلخيصها في الآتي:
1 – معظم دول العالم ذات التغطية الشمسية العالية والتي من المفترض أن تأخذ زمام المبادرة في استغلال وتطوير هذه المصادر هي في معظمها دول نامية وذات إمكانيات محدودة في مجال البحوث والتطوير، باستثناء بعض الأجزاء من الولايات المتحدة، حيث يتمركز معظم العمل في هذا المجال بدعم سخي من وزارة الطاقة الأمريكية.
2 – لم توفر الدول الصناعية الكبرى الدعم الكافي للبحوث المتعلقة باستغلال الطاقة الشمسية، وذلك لضعف الإشعاعات الشمسية وكثافة السحب والأمطار في معظم هذه الدول، خصوصا الدول المتقدمة في شمال ووسط أوروبا. فالأشعة الشمسية في بريطانيا مثلا تقدر بنحو ألف كيلو واط في الساعة على المتر المربع، في حين أن التقديرات المتوسطة في السعودية تفوق 2600 كيلو واط في الساعة على المتر المربع.
3 – تخزين الطاقة المنتجة من الإشعاعات الشمسية يعد عقبة حقيقية في طريق استغلالها تجاريا، حيث لم يفلح العلماء حتى الآن في تطوير نظام تخزين فعّال بحيث يمكن استغلال هذه الطاقة ليلا أو في حالات السحب الكثيفة. هناك بعض البحوث الواعدة في حل هذه المشكلة عن طريق استخدام الأشعة الشمسية المركزة في إنتاج الهيدروجين، حيث يتم تخزينه لاستخدامه لاحقا في الخلايا الوقودية Fuel cells لإنتاج الكهرباء.
يضاف إلى ما سبق مشكلة التكلفة، فالطاقة الشمسية مازالت عالية مقارنة بمصادر الطاقة التقليدية، مثلها في ذلك مثل كل أنواع الطاقات المتجددة. معظم دراسات الجدوى التي أجريت في السبعينيات من القرن الماضي كانت تشير إلى أن تكلفة الكهرباء المنتجة من الخلايا الضوئية مثلا تعادل 500 ضعف التكلفة من مصادر تقليدية، ولكن بفضل الجهود المتواصلة فقد وصلت التكلفة اليوم إلى نحو 0.28 دولار في مقابل 0.07 دولار لكل كيلو واط منتج بواسطة المصادر التقليدية.
جدير بالذكر أن إسبانيا، التي تعد من أنشط الدول الأوروبية في هذا المجال، تعمل حاليا على تطوير شبكة من الخلايا الضوئية لإنتاج الكهرباء بتكلفة تقل عن 0.05 دولار لكل كيلو واط، ما يجعلها منافسا حقيقيا لمصادر الكهرباء التقليدية.
من ناحية التطبيق العملي على مستوى كبير، فهناك عدد من الأمثلة الناجحة في استغلال الطاقة الشمسية حول العالم. أحد أشهر هذه التجارب وأبسطها من الناحية التقنية هي التجربة التركية في تدفئة المياه والهواء لأغراض منزلية بواسطة المجمعات الشمسية. تُعد تركيا اليوم رائدة في هذا المجال، حيث لا يخلو سطح منزلي من إحدى هذه المجمعات، فضلا عن أنها المصدر الرئيسي لهذه التقنية إلى دول أوروبا الشرقية. الهند أيضا صاحبة تجربة ناجحة في استغلال الأشعة الشمسية المركزة لأغراض الطهي، ففي الهند يوجد أكبر مطبخ شمسي في العالم، حيث يتم إطعام أكثر من 15 ألف شخص يوميا في أحد المعابد النائية باستخدام أطباق التركيز الشمسية التي تعمل على تسخين الماء لإنتاج بخار بدرجة حرارة تصل 450 درجة مئوية، حيث يمرر هذا البخار إلى أجهزة طبخ خاصة، وبهذا يوفر المطبخ الشمسي ما يقارب 400 لتر من الديزل يوميا.
إحدى التجارب الأخرى، التي تعد ذات أهمية خاصة بالنسبة للمناطق الحارة هي في استخدام الأشعة الشمسية في تكييف الهواء فيما يعرف بـ "التبريد الشمسي" Solar cooling، حيث يتم استخدام الأشعة الشمسية في تشغيل أجهزة ضغط خاصة بدلا من طرق تكييف الهواء التقليدية المعتمدة على أجهزة الضغط الكهربائي. وتُعد ألمانيا من الدول الرائدة في تطبيقات التبريد الشمسي، حيث أثبتت التجارب هناك فعالية هذه التقنية، إلا أنه مازال هناك الكثير من العمل المطلوب لجعلها مقبولة من ناحية التكلفة. في الوقت الحالي من الممكن استخدامها في تفادي الضغط العالي على شبكات الكهرباء عند ساعات الذروة الصيفية، حيث يمكن تشغيلها جنبا إلى جنب مع أجهزة التبريد التقليدية.
أحدث الدراسات التي أجراها الاتحاد الأوروبي تشير إلى أن 0.4 في المائة فقط من الأشعة الشمسية الساقطة على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد تكفي حاجة أوروبا المستقبلية من الكهرباء، لذلك يدرس الأوروبيون حاليا خطة لإنشاء ما يعرف بشبكة الطاقة العملاقة، وذلك بغرض تصدير الكهرباء المنتجة بواسطة أطباق تركيز شمسية يتم نشرها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عبر خطوط كهرباء عالية يتم تبريدها بواسطة هيدروجين منتج بواسطة عمليات انشطار مائي أو إعادة تحويل الميثان عن طريق الأشعة الشمسية المركزة. بذلك يتوقع الخبراء أن تظل منطقة الشرق الأوسط مصدرا مهما للطاقة حتى إذا نضب المخزون النفطي، ولكن يظل ذلك مرهونا بنجاح دول المنطقة في الاستغلال الأمثل لطاقاتها الشمسية الهائلة.
* محاضر في الهندسة الكيميائية في جامعة أستون البريطانية