الإعلام والتفكير الاستراتيجي

الإعلام والتفكير الاستراتيجي

دار جدل ساخن خلال الفترة الماضية بعد الرأي الشرعي الذي طرحه الشيخ صالح اللحيدان في سياق رده على سؤال لأحد المستفتين حول ما تبثه الفضائيات وما الموقف من القائمين عليها. وبعيدا عن الجدل الفقهي الذي دار وأخذ منحنى الاستعداء والاستقطاب بعيدا عن الطرح الموضوعي العلمي. لعلي أشير إلى أننا نفتقد الرؤية الاستراتيجية البعيدة المدى .. ومع الأسف ينطبق هذا القول على الكثير ممن يدعي النخبوية والريادة.. فنحن بحاجة إلى من يحمل الرؤية التي تبصًر بالأهداف وتحددها وتجدولها بحسب الأولويات. وتستعد للاحتمالات الممكنة، وتقوم بعملية تقويم ومراجعة .
جاءت فتوى الشيخ صالح اللحيدان رئيس المجلس الأعلى للقضاء السعودي، الخاصة بزجر مسؤولي القنوات الفضائية المنفلتة..والتي بدأت تقذف بكل ما هب ودب من المواد الإعلامية المسمومة.. تعبيرا عما يعتلج في صدور عديد من العقلاء والمفكرين والحكماء يتذمرون من الواقع الإعلامي.. وجاءت صرخة الشيخ اللحيدان ـ وهو في قمة الهرم القضائي ـ لتدق ناقوس الخطر لتلك الحمم الإعلامية التي تقذف بها الأسر داخل عقر بيوتها بلا خجل ولا وجل.
لقد أفصح الشيخ اللحيدان بأسلوب فقهي عن موقف تجاه الحالة التي تعانيها وسائل الإعلام وهو المضمون الهابط..وهي مقولة سبقه إليها أساطين الإعلام وعلمائه في المجتمع الغربي..حيث أكدوا أن المادة الهابطة هي ما يغلب على الوسيلة الإعلامية من مسلسلات وأفلام ومسابقات تغرس في الجيل الاستهلاك والفوضى والقدوات التافهة..على حساب العمل والإبداع والجدية.. التي تحتاج إليها الأمم والشعوب في غمار حركتها في مواجهة التحدي الحضاري المحموم. والواقع الذي لا يمكن إنكاره، شاهد إدانة للمؤسسة الإعلامية..بما نشهده من شخصيات مهزوزة همها التقليد والمحاكاة، تفتقد القدرة على التفكير والاجتهاد والقدرة على استيعاب الماضي واستشراف المستقبل.
نعم يجب ألا نتوقف عند الندب والبكاء على واقع الحال واتهام "الآخر" والحماس الآني..هذه الردود الآنية والانفعالات ما هي إلا هروب من ميدان المعالجة الحقيقي. وهو ما دفعنا ثمنه ردحا من الزمن حيث أهدرت الكثير من الطاقات وبعثرت الجهود بمزيد من الخطب ورفع الأصوات والضوضاء.
ولعل ما سمعنا عنه أخيرا من تنادي ثلة من المثقفات والأكاديميات إلى إنشاء جمعية للفضيلة تهتم بما يبث بالفضائيات، هو بداية أكثر نضجا مما سبق، وخطوة جادة على الطريق الطويل..ففي الغرب العشرات من الجمعيات التطوعية التي تسند المؤسسات الحكومية في الحفاظ على مكتسبات المواطن الاجتماعية، وتقوم بدور رائد في الدفاع عن حقوقه..بشكل حضاري منظم بعيدا عن الفوضى والعبثية.

الأكثر قراءة