4 عناصر يراعيها المهندسون عند تصميم المساجد
نظرا للأهمية التي يحتلها المسجد في حياة المسلمين وكونه من أهم المنشآت في المدينة الإسلامية فقد اهتم المسلمون على مدى تاريخهم الطويل بتصميمه والعناية به، وفوق كل ذلك فإن الكثير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية قد وجهتنا للاهتمام بهذا الجانب المهم في حياتنا ولا سيما أن الصلاة تمثل الركن الثاني في الدين الإسلامي .
في ثنايا النصوص الشرعية هناك العديد من التشريعات التي تسن وتنظم عملية بناء المساجد، وبصورة إجمالية وبقراءة سريعة لهذه النصوص فإننا نجد أن أهم هذه العناصر قد أجملت في نقاط عدة أهمها اختيار الموقع المناسب لبناء المسجد، وتوجيه المسجد، والصف الأول للمصلين، والسواري أو الأعمدة، وجماليات الزخارف الإسلامية، ثم المظاهر.
يتفق عدد من المهندسين الذين تحدثنا معهم بهذا الخصوص أن هناك ضوابط شرعية تتحكم في عملية الإبداع المعماري لتصميم المساجد، ففيما يخص العنصر الأول فإن الجميع يتفق على أنه ذو أهمية كبيرة، فمن البديهي أنه لتنفيذ أي مشروع يجب أولا اختيار الموقع المناسب لإنشائه، وحينما يكون الأمر متعلق ببناء المساجد فإن هذا العنصر يكون مهما للغاية إذ لا بد أن يتم اختيار الأرض وفقا لمعايير وضوابط تتعلق بطبيعة المشروع ووظيفته وبالظروف التي ترافق إنشاءه وهذا الأمر يعد من بديهيات وأبجديات العمل المعماري، وفي المسجد فقد جاءت نصوص شرعية تبين الضوابط التي يجب مراعاتها عند اختيار الموقع الخاص في بناء المسجد. فقد قال تعالى: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" 31 (سورة الأعراف), فمن بين ما يجب مراعاته في المسجد أن يكون جواره طيبا وطاهرا من ناحية مادية ومعنوية في آن واحد وهنا نقول إنه يجب أن يكون الموقع نظيفا ولا تجاوره فضاءات تنتج عنها أوساخ وغيره، إضافة إلى نقطة أخرى تحدث فيها العلماء كثيرا وهو ضرورة أن تكون الأرض التي تم اختيارها لبناء المسجد غير مغصوبة إذ يرى بعض أهل العلم بعدم جواز الصلاة على الأرض المغصوبة.
أما العنصر الثاني فهو توجيه المسجد باتجاه القبلة ولعل هذا باتفاق الجميع يبدو من بين أهم المعايير التي يراعيها المصمم المعماري عند تصميم المساجد فإن توجيهها جاء بتشريع إلهي, وفي القرآن الكريم, حيث أمر الله تبارك وتعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن يولي وجهه شطر المسجد الحرام وكذلك المؤمنون حيثما كانوا وجب عليهم أن يتوجهوا شطر المسجد الحرام وقبل الكعبة البيت العتيق، وهنا يعلق لنا المهندس حسن محمد الحسن قائلا إن ذلك من أهم العناصر التي يجب أن يراعيها المهندسون ويدققون بشأنها خاصة وأنها تتعلق بصحة الصلاة، فهناك بعض المهندسين يخطئون في تحديد القبلة بطريقة دقيقة يحكمهم في ذلك موقع الأرض أو الحدود والمباني التي تحيط بالمسجد ويبدو ذلك واضحا حينما ننظر إلى المصلين خارج المسجد في أيام الجمع والأعياد، فنرى أن اتجاههم إلى القبلة.
وفيما يخص العنصر الثالث الصف الأول يقول المهندس حسن إنه يجب إعطاء أولوية للصف الأول عند تصميم المسجد، فقد جاء في الأحاديث فضل الصلاة في الصف الأول، ونادي الرسول صلى الله عليه بذلك، ومن هنا كان لزاما على المصمم أن يراعي هذا الأمر, أي عليه أن يعطي أهمية لعرض الصف ويجعله يستوعب أكبر عدد من المصلين, ولا يجب عليه أن يهتم بالشكل الخارجي للمسجد فقط, لأننا نلاحظ كثيرا فى تصاميم المساجد المعاصرة بأن المصممين يستخدمون العديد من الأشكال المعمارية وينوعون فيها من زوايا ودوائر وأشكال وهذه عادة ما تكون في أطراف المسجد أي في مقدمته أو في مؤخرته, مما يؤدي إلى ضياع جزء كبير من الصف الأول, ومن ثم حرمان الكثير من المسلمين من هذا الأجر العظيم.
أما فيما يخص العنصر الرابع وهو المتعلق بالأعمدة داخل المسجد فيتفق الجميع على أن الصلاة في الصف الموصول أفضل من الصلاة في الصف المقطوع وكان النبي ـ صلى الله عليه و سلم -، إذا أقيمت الصلاة يرص صفوف المصلين ويأمرهم بذلك ويسد الفرجات ويحثهم على أن يصفوا كما تصف الملائكة عند الله تبارك وتعالى وقد ورد عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أنه قال "نهينا أن نصف بين السواري"، وهذا ما ينادي به المهندس حسن الذي يقول إنه من الواجب على المصمم أن يحاول قدر الإمكان أن يقلل من عدد الأعمدة والعناصر الإنشائية التي تؤدي إلى قطع الصفوف وعدم انتظامها لأن في انتظام الصفوف وتسويتها تمام الصلاة, خصوصا أن التقنيات الحديثة قد أصبحت تتيح ذلك، وأخيرا يدعو حسن إلى ضرورة الاهتمام بالمظاهر وأماكن الوضوء عند التصميم والبناء وخصوصا بيوت الخلاء بألا تكون مستقبلة أو مستدبرة للقبلة للأحاديث والنصوص العديدة الواردة في هذا الباب والتي نادي الرسول صلى الله عليه وسلم بضرورة الاهتمام بها وتطييبها ومراعاتها.