ليبيا والجزائر تستقطبان اهتماما غربيا كمصدرين للنفط والغاز الطبيعي

ليبيا والجزائر تستقطبان اهتماما غربيا كمصدرين للنفط والغاز الطبيعي

تتجه منطقة شمال إفريقيا، وليبيا تحديدا وإلى حد ما الجزائر، للعب دور أكثر أهمية في تزويد المستهلكين الغربيين باحتياجاتهم من الطاقة. وأدى التحسن في العلاقات الغربية الليبية في الفترة الأخيرة، وأبرز ملامحه أول زيارة لوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، هي الأولى من نوعها في أكثر من نصف قرن، وكذلك ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني إلى طرابلس إلى تسليط الضوء على الدور المتنامي لتزويد أوروبا بالنفط والغاز تحديدا وذلك لتقليل اعتمادها على روسيا خاصة بعد تطورات حرب القوقاز.
المفارقة أن شركة غازبروم الروسية سجلت حضورا في هذه المنطقة ولم تترك الساحة خالية أمام الشركات الغربية، وتسعى الشركة الروسية للوصول إلى اتفاقيات بعيدة الأمد وبالتالي تنويع مصادر إمداداتها، كما قامت الشركة في حزيران (يونيو) الماضي بافتتاح مكتب لها في الجزائر.
الشركات النرويجية والألمانية دخلت السوق الجزائرية أيضا، حيث بدأت "ستات أويل هايدرو" النرويجية في تقديم يد العون لرصيفتها الجزائرية "سوناطراك" ومعاونتها على دخول السوق الأمريكية في مجال الغاز المسال.
وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد زارت الجزائر لفترة يومين ومعها مجموعة من مديري الشركات الألمانية العاملة في ميدان الطاقة. وتبدو ألمانيا أكثر اهتماما بتنويع مصادر الطاقة لديها، إذ تعتمد على روسيا لتوفير 26 في المائة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي والربع الآخر من النرويج. وافتتحت الشركة الألمانية "روهرغاز" مكتبا لها في الجزائر وآخر في ليبيا إلى جانب وضع خطط لإقامة معملين في غينيا الاستوائية ونيجيريا.
"سوناطراك" اتفقت مع الشركة النرويجية على توفير ثلاثة مليارات متر مكعب من الغاز المسال وتوصيلها إلى السوق الأمريكية العام المقبل، كما تفاوضت أيضا مع "غاز دوفرانس" الفرنسية و"ديستري" غاز البلجيكية لتنويع قاعدة زبائنها، إذ ظلت محصورة إلى حد بعيد في السوقين الإسبانية والإيطالية من خلال خطوط أنابيب ممتدة تحت مياه البحر المتوسط. وبصورة عامة يمكن القول إن الجزائر تقدم إلى أوروبا نحو 10 في المائة من احتياطياتها، وتأتي في المرتبة الثالثة كمزود للسوق باحتياجاتها من الغاز بعد روسيا والنرويج.
وتسعى إدارة الطاقة التابعة للاتحاد الأوروبي إلى زيادة تعاملها مع الجزائر ومن ثم خفض اعتمادها على الغاز الروسي وتجنب الضغوط السياسية والاقتصادية، ولهذا أصبحت دول شمال إفريقيا، خاصة ليبيا والجزائر، ذات أهمية خاصة في هذا المسعى، ولو أن هناك بعض القضايا التي لا تزال على طاولة البحث في انتظار الحسم، وعلى رأسها السعر وتوافر الإمدادات بالنسبة للدول الأوروبية وفي مواجهة الطلب الآسيوي القوي.
ففي العام الماضي بلغ حجم صادرات "سوناطراك" من الغاز الطبيعي 64 مليار متر مكعب، ويتوقع لها أن تبلغ 85 مليارا بنهاية هذا العقد لترتفع إلى 144 مليار متر مكعب في 2030. لكن هذه الأهداف تخضع للمراجعة إثر الانفجارات التي طالت معمل سكيكدة للغاز قبل أربع سنوات وأثرت في إنجاز خطط تطوير الإنتاج. هذا إلى جانب بعض المشاكل المتعلقة بالتعاقدات الخاصة بشركة ريبسول الإسبانية. وبسبب هذه الإشكالات تقول "سوناطراك" إن برنامجها الذي كان يفترض اكتماله في 2010 سينتهي بعد ذلك بعامين إضافيين، أي في 2012.
وفي ليبيا تتعاون "غازبروم" مع شركة إيني الإيطالية، وستسعى إلى وضع قدمها في سوق جنوب أوروبا، وعبرت فعليا عن رغبتها في شراء كل الإنتاج الليبي.
تملك ليبيا احتياطيا نفطيا يبلغ 41.5 مليار برميل، الأمر الذي يجعلها في المرتبة الأولى إفريقيا، ويوجد نحو 80 في المائة من هذا الاحتياطي في حوض سرت، الذي ينتج منه 90 في المائة من الإنتاج النفطي الليبي. ورغم هذا وبما أن ربع مساحة البلاد فقط هي التي خضعت إلى عمليات استكشاف، فإن الحاجة تظل ماسة إلى المزيد من العمل التنقيبي، الأمر الذي يشكل إغراء للشركات الغربية إضافة إلى المزايا الأخرى مثل الجودة التي يتمتع بها النفط الليبي وقربه من الأسواق الأوروبية وتكلفة الاسترجاع المنخفضة.
من ناحية أخرى، فإن عودة مجموعة الواحة التي تضم شركات أمريكية بقيادة "كونوكو فيليبس"، "أميرادا هيس"، و"ماراثون" ومعاودتها نشاطها بعد أن تمكنت من تمديد امتيازها لفترة 25 عاما، تعطي زخما للنشاط التنقيبي يساعدها على ذلك شركات أخرى أوروبية مثل "توتال" الفرنسية، "ريبسول" الإسبانية، "إيني" الإيطالية، و"أو. إم. في" السويدية، خاصة وليبيا تخطط لرفع طاقتها الإنتاجية من 1.8 إلى مليوني برميل في الوقت الحالي ترتفع إلى ثلاثة ملايين برميل في 2013، كما أنها تعمل على تنشيط عمل شركة "تام أويل"، التي تسيطر على 75 في المائة من سوق التجزئة الإيطالية في مجال المواد المكررة وزيوت التشحيم.
وتستهلك ليبيا 284 ألف برميل يوميا ويذهب الباقي إلى التصدير بصورة رئيسية إلى السوق الأوروبية كما يظهر في الجدول.
وإلى جانب النفط هناك الغاز الطبيعي، حيث تمتلك ليبيا احتياطيات تصل إلى 52.7 تريليون قدم مكعبة، يمكن أن ترتفع بالمزيد من الاكتشافات إلى ما بين 70 إلى 100 تريليون قدم مكعبة. وكانت تنتج كميات في حدود 400 مليار قدم مكعبة وتستهلك منها ما يزيد على 200 مليار قدم في المتوسط خلال الأعوام السابقة، لكنها تستهلك ربع ما تنتجه.
وتسعى ليبيا إلى التوسع في استخدام الغاز لسببين: الاستخدام المحلي حتى يمكنها تحرير كميات من النفط الخام يمكن أن يتم توجيهها إلى التصدير بدل أن يتم استهلاكها داخليا، كما أن احتياطياتها الضخمة هذه تحتاج إلى استغلال يظل في انتظار الاستثمارات الأجنبية والتقنية.
وقامت ليبيا بمعاونة من شركة إيني الإيطالية بمد خط أنابيب بتكلفة 6.6 مليار دولار وطول 370 ميلا يمتد من الساحل الليبي إلى صقلية ثم إلى الأراضي الإيطالية ومنها إلى بقية أوروبا، حيث يتم التعامل مع الشركات الإيطالية والفرنسية وفق عقود تسمح لها باستخدام الغاز الليبي.
وفي 1971 أصبحت ليبيا ثاني بلد في العالم بعد الجزائر له القدرة على تصدير الغاز المسال، لكن الكميات المصدرة ظلت ضعيفة بسبب سنوات الحصار والضعف الإداري. ودخلت شركة رويال داتش شل عارضة مشروعا لضخ استثمارات ورفع القدرات الإنتاجية ومن ثم الصادرات من الغاز المسال.
أما الجزائر التي تشكل نقطة الاهتمام الثانية، فلديها احتياطي نفطي يبلغ 12 مليار برميل، يتركز 70 في المائة منه في حاسي مسعود. حجم الإنتاج ظل متواضعا في حدود 1.37 مليون برميل يوميا، وهو يمتاز بنوعيته الجيدة وقربه من الأسواق الأوروبية. والاستهلاك الداخلي في حدود 283 ألف برميل يوميا، وللشركات الأجنبية حضور كبير بقيادة الأسماء اللامعة لشل، توتال، ستات أويل النرويجية.
وفي الجزائر سبعة مرافئ تصدير، كما أن الشركة الوطنية "سوناطراك" تدير نحو 2400 ميل من خطوط الأنابيب. ويوجد خطان لربط الجزائر بالدول الأوروبية أحدهما عابر للبحر المتوسط ينطلق من حاسي رملة إلى إيطاليا عبر تونس وجزيرة صقلية وتقوم شركات عالمية بإدارة الخط.
ويبلغ احتياطي الجزائر من الغاز الطبيعي 161.7 تريليون قدم مكعبة، ما يضعها في المرتبة الثامنة عالميا وتنتج 2.8 تريليون قدم مكعبة تضعها في المرتبة الثامنة عالميا كذلك، لكنها تستهلك ربع ما تنتجه.

الأكثر قراءة