سوق النفط تبحث عن هبوط مرن بعد التراجع المستمر في الطلب
تباينت تصورات ثلاثة تقارير حول توجهات سوق النفط المستقبلية، مع التقلبات السعرية التي رأت فيها نشرة "ميس" النفطية المتخصصة أنها كانت السبب الرئيس وراء القرار المفاجئ لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) في التاسع من هذا الشهر خفض إمداداتها إلى السوق بنحو 520 ألف برميل يوميا، أكثر منه محاولة لوقف التراجع الكبير في سعر البرميل، ولهذا فهو يعتبر محاولة لتحقيق قدر أدنى من الاستقرار السعري وتوفير مظلة لهبوط مرن بدلا من حدوث انهيار حاد لهيكل الأسعار يضر بالمنتجين والمستهلكين على حد سواء.
الذراع الإحصائية لوزارة الطاقة الأمريكية المعروفة بإدارة المعلومات، أصدرت تقريرها الدوري في اليوم ذاته الذي اجتمع فيه وزراء النفط (أوبك) في فيينا، بينما أصدرت الوكالة الدولية للطاقة تقريرها في اليوم التالي للاجتماع، لكن (أوبك) نفسها أصدرت تقريرها الدوري بعد ستة أيام من القرار.
وهكذا ففي الوقت الذي لم يتأثر فيه التقريران الأولان بالقرار، إلا أنه بدا واضحا أن التقارير الثلاثة تتحدث عن ضعف في الطلب مع اختلافات طفيفة في التقدير من ربع سنوي إلى آخر، كما أشار تقرير إدارة معلومات الطاقة بوضوح إلى أن سعر البرميل المستقبلي سيتأثر بضعف الطلب وتحديدا في دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، إلى جانب زيادة الإمدادات من خارج أوبك وتصرفات (أوبك) بالطبع.
وترجع الإدارة ضعف الطلب إلى التأثير الذي أحدثته الأسعار العالية خلال الفترة الماضية، ويظهر هذا في أنه حتى الأحداث التي جرت في جورجيا وإعصار جوستاف لم تسهم في رفع سعر البرميل بصورة واضحة.
وقدرت الإدارة أن سعر البرميل من نوع ويست تكساس بلغ في المتوسط خلال الشهر الماضي 117 دولارا متراجعا من 133 دولارا في المتوسط خلال تموز (يوليو) الماضي، علما أن متوسط سعر البرميل بلغ العام الماضي 72 دولارا، وأنه سيصل هذا العام إلى 116 دولارا ترتفع إلى 126 دولارا في المتوسط في العام المقبل.
الوكالة الدولية للطاقة ترى أن الطلب على النفط شهد تراجعا خلال الشهر الماضي إلى 86.6 مليون برميل يوميا، ويعود هذا إلى جانب ضعف الطلب إلى تأثير عمليات الصيانة، خاصة في الحقول الموجودة في أوروبا، لكنها تشير إلى أن الإمدادات عموما سجلت زيادة بأكثر من مليوني برميل يوميا، وذلك للشهر الثالث على التوالي، على الرغم من أن الإمدادات من خارج (أوبك) تراجعت بمقدار 180 ألف برميل يوميا خلال هذا العام، ويتوقع لها أن تتراجع 85 ألفا العام المقبل لتكون في حدود 49.9 و50.7 مليون برميل يوميا على التوالي.
من ناحية أخرى، فإن الإنتاج المتوقع خلال الربع الثالث من هذا العام سيكون أقل بنحو 470 ألف برميل مما كان متوقعا و270 ألفا مما كان ينتظر إنتاجه في الربع المقبل، وأن النمو في الإنتاج من خارج (أوبك) سيكون هذا العام في حدود 270 ألف برميل يوميا فقط، ترتفع العام المقبل إلى 760 ألفا، وذلك مقابل نمو في حدود 425 ألفا العام الماضي.
أما الإمدادات الخاصة بـ (أوبك) فقد تراجعت الشهر الماضي 195 ألف برميل إلى 32.5 مليون، وهو ما يعود بصورة رئيسة إلى المتاعب التي عانتها بعض المرافق النفطية في أنجولا، ليبيا، العراق ونيجيريا، لكن المهم أن الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى المنظمة زادت من 1.5 مليون برميل في تموز (يوليو) إلى 1.9 مليون الشهر الماضي بسبب تراجع الإنتاج وإضافة بعض الطاقة الجديدة من السعودية.
تقرير (أوبك) الذي يكسب قيمة إضافية كونه صدر بعد اجتماع المنظمة، يتحدث عن تراجع في سعر سلة أوبك بمقدار 42 دولارا خلال فترة شهرين، أو بنحو قرابة الثلث من 141 في تموز (يوليو) إلى 91 دولارا خلال الأسبوع الثاني من هذا الشهر، مع توقع المزيد من الضغوط بسبب الأزمة المالية العالمية.
لكن تقرير (أوبك) الدوري تميز أيضا بتناوله لوضع تحسن الدولار، عملة تجارة النفط العالمية، في الفترة الأخيرة، وهو ما يعوض عن التراجع السعري ولو نسبيا. فالدولار تحرك إلى أعلى خلال الشهر الماضي مقابل العملات الأخرى، إذ ارتفع بنسبة 5.1 في المائة مقابل اليورو، 2.3 في المائة مقابل الين، 5.3 في المائة مقابل الجنيه الاسترليني، و5.7 في المائة مقابل الفرنك الفرنسي، بل وبلغ أعلى معدل له خلال عام في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) الجاري.
كذلك أشار التقرير إلى تغير في مزاجية السوق، وأن الإحساس الذي كان سائدا بإمكانية حدوث شح في الإمدادات حل محله شعور جديد بضعف الوضع الاقتصادي وتراجع في ثقة المستهلكين ناجمة عن التباطؤ الاقتصادي الذي يبدو أنه في طريقه ليصبح حالة كساد فعلية، خاصة مع تنامي الإحساس أن هذه الحالة تجاوزت الولايات المتحدة إلى أوروبا واليابان.
ويظهر هذا في أن الولايات المتحدة شهدت تراجعا في الطلب على النفط بمقدار 900 ألف برميل خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، وأن حزيران (يونيو) الماضي كان أقل الشهور فيما يتعلق باستهلاك النفط. ويتوقع لهذا الاتجاه أن يستمر بصورة أو أخرى هذا العام والعام المقبل، كما سيكون صعبا الحديث عن نمو يتجاوز ما كان سائدا خلال العقدين الماضيين، وهو أن يكون النمو في حدود المليون برميل يوميا.
من ناحية أخرى، فإن الإمدادات من خارج (أوبك) ستشهد تحسنا ملحوظا خلال النصف الثاني من هذا العام، وسيساعد هذا على بناء المخزونات التجارية لدى الدول المستهلكة الرئيسة ليضعها فوق المعدل المعروف لخمس سنوات، ما يوفر لها غطاء استهلاكيا يصل إلى 54 يوما.
ويرى الباحث المعروف دانييل يرجن رئيس مؤسسة رابطة كمبريدج لأبحاث الطاقة، في شهادة له أمام لجنة الكونجرس الخاصة بالطاقة والموارد الطبيعية في الثاني عشر من هذا الشهر، أن سعر البرميل ومنذ أن بلغ 120 دولارا دخل مرحلة الانكسار حاملة معها تصورات وهموم بدأت تفعل فعلها بصورة معاكسة لما كان سائدا إبان توجه الأسعار إلى أعلى، مضيفا أن التحول إلى الفاعلية في استخدام الوقود لأول مرة منذ 32 عاما سيكون له تأثيره الإضافي.