موسكو تسعى للتنسيق مع "أوبك" للسيطرة على أسواق النفط

موسكو تسعى للتنسيق مع "أوبك" للسيطرة على أسواق النفط

هل بدأت الرياح الباردة تهب على السوق النفطية؟ هذا هو السؤال المطروح الآن إلى جانب متابعة ما يجري في الأسواق وتقلبات سعر البرميل إثر قرار منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) الذي فاجأ الكل خفض الإنتاج نصف مليون برميل يوميا. إلا أن تطورات أخرى تستحق المتابعة، وعلى رأسها الزيارة المرتقبة لوفد من المنظمة إلى موسكو الشهر المقبل، وإذا كان تبادل الزيارات بين مسؤولي المنظمة ورصفائهم الروس سينتهي بتوقيع مذكرة تفاهم بين الطرفين في غضون شهرين كما اقترحت موسكو.
فقبل ساعات من صدور قرار (أوبك) الأخير استقبلت مكاتب المنظمة في فيينا وفدا روسيا يلفت النظر فيه ثلاثة أشياء: أنه بقيادة شخصية رفيعة المستوى هو إيجور ساشين، القريب من رجل الكرملين القوي فلاديمير بوتين وساعده الأيمن عندما يتعلق الأمر بقضايا الطاقة، لأن ساشين يتولى رسميا منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة. وثانيهما أن جاء يقود وفدا كبيرا مكونا من 20 شخصا، من بينهم سيرجي بوجدانشيكوف المدير التنفيذي لشركة روسنفط، وهي أكبر شركة روسية منتجة للنفط الخام، وهذا أكبر وفد تستضيفه (أوبك) من دولة مراقبة. وثالثا أن الوفد تحدث عن تنسيق الجهود لتحقيق استقرار السوق النفطية في بيئة ملائمة وعارضا توقيع مذكرة تفاهم في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) أو على أكثر تقدير عندما يحضر مندوبون من (أوبك) مؤتمرا نفطيا تنظمه موسكو في كانون الأول (ديسمبر). وأشار الروس إلى أن إنتاجهم مضافا إلى ما تنتجه المنظمة يوفر نحو 50 في المائة من الإمدادات التي تصل السوق، أي بصورة أخرى أن الطرفين يمكنهما السيطرة على الأسواق.
العلاقة بين موسكو وأوبك تعود إلى منتصف الثمانينات، وفي إطار سعي المنظمة إلى التعاون مع المنتجين خارجها لوقف تدهور سعر البرميل الذي شهدته تلك الحقبة. ومع أن مسؤولين روس ظلوا يحضرون اجتماعات (أوبك) بصفة مراقبين بصورة دائمة منذ ذلك الوقت، وكانت مساهمتهم في خفض الإنتاج ضئيلة أو غير منتظمة، إلا أن خطوتهم الأخيرة هذه تبدو مختلفة، وهو ما يعود إلى التوجهات الروسية الجديدة وهبوب رياح المواجهة مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة بسبب ما تراه روسيا من تدخلات في شؤونها عبر توسع حلف الأطلسي في جوارها وتهديد لأمنها عبر الدرع الصاروخي الذي تقترحه موسكو، لكن درجة التنسيق التي تتحدث عنها موسكو لا تصل إلى مستوى طلب عضوية المنظمة، لأنها لا ترغب في وضع قيد على حريتها في رفع إنتاجها أو خفضه كما تريد كما تفعل (أوبك) أحيانا.
المسعى السوفياتي لتنسيق نشاطاته على الساحة النفطية مع (أوبك) يبدو أنه يتجه إلى تضارب مع ما تخطط له بريطانيا، التي تسعى إلى استضافة قمة نفطية في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، وذلك للبناء على القمة التي استضافتها جدة في حزيران (يونيو) الماضي. فرئيس الوزراء البريطاني الذي حضر لقاء جدة، ويسعى لاستخدام وضعية بريطانيا دولة منتجة ومستهلكة لها دور على المسرح العالمي لإرسال رسالة إلى المستهلكين البريطانيين أنه وحزبه قادرون على فعل شيء، وهو يقترح من باب البناء على ما تحقق من نتائج في مؤتمر جدة أن تقوم الدول المنتجة ذات الاحتياطيات بفتح المجال أمام الشركات الغربية للوصول إلى هذه الاحتياطيات على أن تفتح الأسواق الغربية أمام فوائض الأموال النفطية.
لقاء لندن هذا حظي بنقاش طويل في الجلسة الماراثونية التي عقدها وزراء (أوبك) مساء الثلاثاء إلى فجر الأربعاء، إذ توصلوا إلى تفاهم بأهمية أن توجه الدعوة إلى المنظمة عبر قياداتها السياسية وإلى كل الدول الأعضاء، وهي تحدد من سيحضر ويمثلها، كما أن هناك تضاربا في المواعيد، فالقمة التي تقترحها بريطانيا في التاسع عشر من كانون الأول (ديسمبر)، وهو ما يتضارب مع الاجتماع الاستثنائي الذي ستعقده (أوبك) في وهران الجزائرية.
ويبدو أن براون لا مانع لديه توجيه الدعوة إلى معمر القذافي الزعيم الليبي أو هيوجو شافيز الرئيس الفنزويلي، رغم أن الأخير يتبنى مواقف مناوئة لواشنطن، لكنه لن يوجه دعوة إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وحتى دعوة من سيحضر من الولايات المتحدة مثل إشكالية بالنسبة لبراون، وقتها تكون الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد انتهت والجدل لا يزال مستمرا إذا كان من الأوفق دعوة الرئيس جورج بوش أو الرئيس المقبل. فما سعى لقاء جدة إلى تأسيسه حضور بعض القيادات السياسية وتوفير بعد عملي لحوار المنتجين والمستهلكين.
يبقى إلى جانب هذا البعد الجيوسياسي كيفية تفسير قرار المنظمة وهو يشكل أول إعلان بخفض الإنتاج منذ كانون الأول (ديسمبر) 2006، وهل يعني فقط إزالة 520 ألف برميل يوميا تعتبر إضافة إلى السقف الإنتاجي القديم، وهو ما يمكن ترجمته أنه يعني السعودية التي رفعت إنتاجها منذ بداية فصل الصيف بنحو 700 ألف برميل يوميا. لكن مع استبعاد إندونيسيا التي ستخرج من المنظمة رسميا أول العام فإن معدل الإنتاج يظل كما هو تقريبا، خاصة إذا أضيفت المتاعب الإنتاجية التي تعاني منها كلا من فنزويلا وإيران وتجعلهما ينتجان أقل من حصصهما الرسمية في الواقع، الأمر الذي دفع المنظمة إلى الاعتماد على المصادر الثانوية.
ويبدو أن شبح قرار جاكرتا الشهير في أواخر العام 1997 عندما قررت (أوبك) رفع السقف وعدم الالتفات إلى الأزمة المالية الآسيوية، ما أدى إلى انهيار سعري لعب دورا في القرار الأخير خاصة في وجه التراجع السعري الكبير خلال الأسابيع الماضية والوصول إلى الحاجز النفسي وهو 100 دولار للبرميل.
الخفض المتوقع حدوثه سيطال النفوط الثقيلة التي ليس عليها طلب يذكر على أي حال، أما العامل الآخر المهم فهو قوة الدولار، عملة تجارة النفط الرئيسية، إذ سجل زيادة مرتفعا مقابل اليورو بنسبة 11 في المائة في الفترة بين منتصف تموز (يوليو) الماضي والأسبوع الأول من هذا الشهر.
رئيس المنظمة ووزير النفط الجزائري شكيب خليل قال في تصريحات صحافية إن الارتفاع الذي شهده سعر البرميل عقب إعلان قرار (أوبك) لا يتوقع له الاستمرار لأسباب تتعلق بأساسيات السوق من ارتفاع حجم المخزون التجاري وتوقع بعض الإمدادات الإضافية من خارج (أوبك) وضعف الطلب عموما، إذ يقول تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة إن الطلب سيتراجع هذا العام والعام المقبل بمعدل 100 ألف و 140 ألف برميل يوميا على التوالي.

الأكثر قراءة