مؤسسات مالية: المخاوف على أصول الصكوك مبالغ فيه.. والبنوك ستتضرر من التصحيح العقاري الحاد

مؤسسات مالية: المخاوف على أصول الصكوك مبالغ فيه.. والبنوك ستتضرر من التصحيح العقاري الحاد

شبح تصريحات عثماني يطل برأسه من جديد ويزرع الشلل في مبيعات الصكوك الخليجية. ففي الوقت الحاضر فإن أسرع الأدوات المالية نمواً في سوق السندات العالمية مصابة بالتعثر، وهذا التعثر لا علاقة له بأزمة القروض السكنية لضعاف الملاءة. فالمستثمرون الخليجيون يحتاجون إلى المزيد من الوقت للتعود على القواعد الجديدة للصكوك.فهل يحاول المستثمرون الابتعاد عن تلك السندات؟

أكدت لـ "الاقتصادية" مؤسسات مالية غربية أن تخوف مستثمري الصكوك من أن تكون الأصول الحقيقية التي تم إصدار الصكوك لتمويلها تعاني فقاعة قد تنفجر وتؤدي إلى انهيار قيم الصكوك لارتباط قيمة الصك بقيمة الأصل، هو أمر مبالغ فيه. ولفتت المؤسسات إلى أنه خلال الأعوام الثلاثة السابقة شهدت أسعار العقارات طفرة قوية في منطقة الخليج العربي، خصوصاً في دبي، مبينة أن ذلك يعني أنه إذا كان هناك تصحيح حاد فإن وقع ذلك سيكون قوياً على البنوك التي تتعامل بتمويل العقارات.
وهنا يقول أندرياس جوبست الخبير الاقتصادي الذي يعمل لدى صندوق النقد الدولي، "تعد أحدث التقارير حول الزوال المحتمل للصكوك من جراء الانخفاض الدراماتيكي لأسواق العقارات الخليجية وكذلك ارتفاع تكاليف الصكوك، أمراً مبالغاً فيه." وعن كيفية توصله لهذا الاستنتاج، قال خريج جامعة أكسفورد البريطانية" عندما نجري تحليلاً دقيقا، فإن هناك اختلافات في الهيكلة الخاصة بالصكوك مقارنة بسندات التوريق المالي التقليدية و كذلك الأسباب الأخرى التي أدت إلى نشوب أزمة الرهن العقاري".

أسواق الصكوك تخسر نصف قيمتها
و تزامنت تلك المخاوف مع تقرير مصرفي جريء صدر قبل أيام يتعلق بمستقبل الصكوك، حيث تشير بيانات من مؤشر HSBC Holdings Plc إلى أن مبيعات السندات الإسلامية، انخفضت بنسبة 50 في المائة في عام 2008، وهبطت الأسعار بمعدل 1.51 في المائة في المتوسط. وتكشف بيانات عملاق الصيرفة البريطاني أن هذا الهبوط في أسعار الصكوك يعد أسوأ من الهبوط الذي أصاب سندات الشركات الأمريكية والذي بلغ 1.25 في المائة. فخلال الفترة من كانون الثاني (يناير) إلى آب (أغسطس) هبطت مبيعات الصكوك لتصل إلى 11 مليار دولار، بعد أن كانت 21 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2007، وفقاً لبيانات جمعتها خدمة بلومبيرج.

رابط وهمي ؟
هذه السوق التي تعرف بسوق الصكوك، والتي تضاعفت بصورة سنوية منذ عام 2004 واتسعت ليصل حجمها إلى 90 مليار دولار، تعاني الآن الهبوط بعد أن أصدرت هيئة شرعية مقرها البحرين في شباط (فبراير) الماضي فتوى تقضي بأن معظم الصكوك الصادرة تعتبر مخالفة للأحكام الشرعية
وقال خالد هولدار، نائب مدير وكالة موديز لخدمات المستثمرين، إنه "من قبيل المبالغة أن يتم الربط بين قرارت هيئة المحاسبة وبين تراجع سوق الصكوك". وبرر خالد ذلك لـ "الاقتصادية" بقوله:"أولاً إن سوق الصكوك ليست منيعة أمام الأزمة التي أصابت الأسواق الرأسمالية العالمية. فالأسواق هي ظاهرة دولية ولا توجد بينها حدود. وكان النصف الأول من العام يتسم بقدر كبير من اللبس من وجهة نظر "سعرية"، بمعنى أن جهات الإصدار والمستثمرين لم يكونوا متأكدين من "السعر السليم" للمخاطر الائتمانية، وبذلك فإن هذه الجهات تعمل على تأجيل إصدار الصكوك إلى أن تصبح أكثر ارتياحاً من حيث استقرار السوق. وحين تهدأ الأوضاع في السوق على نحو أكثر من ذي قبل، فإن السوق المحلية للسندات والصكوك ستستأنف نموها".

هبوط قيمة الممتلكات بنسبة 10 %
ويحوم شبح التصحيح العقاري بشكل أكبر على الإمارات. فبحسب "بلومبرج" فإن أكثر من نصف تريليون دولار من عمليات تخفيض القيمة الدفترية ومن الخسائر فرضت نوعاً من الضغط على الإقراض والاستثمار في السندات في الشرق الأوسط، حيث إن مؤشر العقارات في سوق دبي المالية هبط بنسبة 19 في المائة منذ شهر كانون الثاني (يناير). ويتوقع المحللون في بنك مورجان ستانلي حدوث هبوط مقداره 10 في المائة في أسعار الممتلكات بحلول عام 2010. ويقول بنك باركليز كابيتال Barclays Capital إن نحو 34 في المائة من الصكوك في منطقة الخليج منذ عام 2006 تم إصدارها من قبل شركات العقارات.
وعن ربط المستثمرين بين تلك التقارير وموجدات الصكوك يقول خالد " نحو 85 في المائة من الصكوك لا تبيع أو تنقل ملكية الموجودات إلى حاملي الصكوك، وهي بالتالي صكوك للشركات. وصكوك الشركات "القائمة على الموجودات" لها مخاطر خاصة بالشركات وليس بالموجودات. أما المستثمرون في الصكوك "المدعومة بالموجودات"مثل الصكوك التي تصدرها (صروح) فإنها تحمل مخاطر خاصة بالموجودات".
وقال محمد دمق، أخصائي تقييم،"بالنسبة للصكوك التي تقيمها وكالة ستاندارد آند بورز فإنها تبدو معزولة بصورة طيبة عن هذه المخاطر، والواقع أن معظم هذه الصكوك تستفيد من كامل آليات تعزيز الائتمان، ما يعني أن الجهة الضامنة أخذت على نفسها شراء الموجودات التي يقوم عليها الصك عند تاريخ الاستحقاق بسعر محدد سلفاً حيث يصبح بالإمكان تسديد المبلغ الأصلي للصك إلى حملة الصكوك، وبالتالي فإن الجدارة الائتمانية لهذه الصكوك تعتمد على الجدارة الائتمانية للجهات الضامنة أكثر مما تعتمد على قيمة الموجودات التي يقوم عليها الصك".
إلا أن المحلل الائتماني لم يستبعد، من مقر إقامته في العاصمة الباريسية، أن تتأثر قيمة الصكوك في حالة حدوث تصحيح عقاري، حيث يقول في المقابلة الهاتفية التي أجرتها الاقتصادية معه " ولكن بالنسبة للصكوك التي لا تتمتع بآليات لتعزيز الائتمان أو تفتقر إلى عمليات التوريق المالي التقليدية القائمة على موجودات العقارات حيث يتم دفع الفوائد على السندات وتسديد المبلغ الأصلي للسند استناداً إلى قيمة الموجودات فإن مخاطر التصحيح على هذا القطاع المتسارع يمكن أن تؤثر في قيمة الصكوك أو السندات التقليدية".

صكوك مدعومة وأخرى غير مدعومة
معلوم أن الجانب الأكبر حتى الآن من إصدارات الصكوك الخليجية هي صكوك منبثقة عن أصول غير مدعومة بالأصول، حيث يتولد العائد من الأصول محل العقد وذلك التزاما بحظر الشريعة الإسلامية للفائدة.
لكن حملة السندات يملكون حق الرجوع على المقترض فحسب لا على الأصول في حالة العجز عن السداد.
ويتمحور هذا النوع من الصكوك في قلب العاصفة التي شهدتها الصناعة المالية الإسلامية في الفترة الأخيرة على أثر النقد الذي وجهه أحد كبار علماء الدين والذي طرح تساؤلات من قبل المراقبين فيما إذا كانت هذه الصناعة قد ضحت بالمبادئ الدينية لأجل النمو في وقت تنهال فيه الإيرادات النفطية الوفيرة على منطقة الشرق الأوسط.
وكان الشيخ محمد تقي عثماني رئيس المجلس الشرعي في هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية أكد أن نحو 85 في المائة من الصكوك الصادرة في الخليج العربي ولا سيما صكوك "المضاربة" و"المرابحة" لا تلتزم على نحو تام بالأحكام الشرعية.
وقال ماجد داود، كبير الإداريين التنفيذيين لشركة Yasaar، "كانت التركيبة الهيكلية للصكوك السابقة، نسخة مكررة من السندات التقليدية بحيث تسترجع أموالك وينتهي الأمر على ذلك".
وذكر جيمس ميليجان، وهو رئيس قسم التداول في استثمارات الدخل الثابت في بنك HSBC، الذي كان في العام الماضي أكبر بنك ضامن لإصدارات الصكوك في منطقة الخليج: "في الأوقات العصيبة خلال أزمة الصكوك فإن أول ما يبيعه المستثمرون هو السندات التي لا يفهمونها بصورة جيدة. وعمل هذا على الإضرار ضرراً بليغاً بالفروق في أسعار البيع والشراء للصكوك في المنطقة"، مشيراً بذلك إلى المستوى النسبي من العائدات على السندات الإسلامية".

الأكثر قراءة