لجان فض منازعات التأمين .. بين غياب الشخصية وإدراك المسؤولية
كما وعدت القارئ الكريم عند حديثي في المقالة السابقة عن اللجان شبه القضائية ومنها لجان فض منازعات التأمين، فإنني سأقوم في هذه المقالة بتقييم سريع لعمل لجان الفصل في منازعات التأمين في المملكة. أؤكد في البداية أن هذه اللجان باعتبارها تجربة جديدة على قضاء التأمين في المملكة فإنني على المستوى الشخصي ألتمس لها بعض العذر وخصوصاً فيما يتعلق بأدائها في المرحلة الأولى التي مرت بها لجنة الفصل في مدينة الرياض، وذلك أيضاً لعدة أسباب منها عدم وجود قواعد نظامية موضوعية يعتمد عليها أعضاء هذه اللجان – سواء في الرياض أو في المنطقتين الشرقية والغربية ـ في حسم القضايا المعروضة أمامهم، هذا إضافة إلى التباين الواضح في القواعد المنصوص عليها في وثائق التأمين وذلك بحسب الشركات التي قامت بإصدار هذه الوثائق.
وقد تضمن كثير من هذه الوثائق شروطا تعسفية وبنودا تبدو متعارضة بشكل صارخ مع بنود لوثائق صادرة من شركات أخرى مما أدى بدوره إلى وجود وثائق تأمين متعددة ومتعارضة فيما بينها. وقد ازداد الأمر سوءا بلجوء هذه اللجان إلى هذه الوثائق على الرغم من سوء مضمونها لحسم النزاع بين الأطراف، وهذا أدى بدوره إلى تعرض لجان الفصل في جزء كبير من قراراتها لنقد واسع من أطراف النزاع بسبب أن هذه اللجان وقعت في اضطراب بالغ نتيجة عدم ثباتها في قراراتها وتذبذبها من قضية لأخرى.
وهذا قاد بدوره إلى اهتزاز واضح فيما يتعلق بشخصية هذه اللجان، وكذلك عدم وجود مسار محدد تسير عليه هذه اللجان في قراراتها نتيجة لتشتت المرجعيات والتي هي الوثائق المتعارضة أو الاجتهادات النظامية الخاطئة.
يضاف إلى ذلك أن أطراف النزاع كانوا يأملون من هذه اللجان الشيء الكثير لاسيما وهم يحملون على عاتقهم ذلك الإرث الكبير من عمليات التحايل المتبادلة سواء من طرف العملاء أو من طرف بعض شركات التأمين المتلاعبة بالسوق، فالثقة كانت معدومة بين أطراف النزاع نتيجة لهذا الإرث الذي أنتج أجواء مشحونة بين الأطراف، وكانوا يأملون من لجان فض منازعات التأمين أن تكون بحجم المسؤولية التي أوكلت إليها، ولكن ردة الفعل كانت عكسية من الطرفين تجاه قرارات هذه اللجان. الشيء الآخر والمهم الذي ينبغي الإشارة إليه هو أنه في ظل غياب القواعد النظامية الموضوعية التي تحكم منازعات التأمين، لم تقم هذه اللجان بأي دور يذكر فيما يتعلق بالعمل على خلق مبادئ نظامية قضائية في التأمين: فمن المعروف أن عمل الهيئات القضائية أو حتى شبه القضائية، كما هو حال لجان فض منازعات التأمين، هو حسم النزاع بين المتخاصمين، ولكنها تمارس دوراً آخر لا يقل أهمية عن دورها في حسم النزاع ألا وهو خلق مبادئ نظامية وفق المجال الذي تعمل فيه هذه الهيئات القضائية أو شبه القضائية بحيث تكون قراراتها التي تصدرها في نزاع معين منجما غنيا لهذه المبادئ النظامية، ولاسيما أن الأمر يبدو لدينا أكثر أهمية نظرا لغياب التقنين في كثير من المجالات التي يعنى بها القانون ومنها دون أدنى شك التأمين، فنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني لم يتطرق إلى الجوانب النظامية الموضوعية في التأمين واكتفى فقط بتنظيم الجوانب الشكلية فيه، ولذلك فإن دور لجان التأمين يبدو أكثر أهمية، فهي التي ينبغي عليها أن تقوم بخلق وصياغة مبادئ شاملة وواضحة وقادرة على تغطية كثيرٍ من أوجه النقص في القواعد الموضوعية للتأمين والقضاء على الوثائق التي لا تستقيم بنودها مع هذه المبادئ مما سيؤدي بدوره إلى ازدهار صناعة التأمين وتعزيز الثقة بالسوق السعودية للتأمين.