باحثون يدعون إلى عدم التعامل بـ "التورق" إلى حين إعادة النظر في صيغة تمويل المنتج

باحثون يدعون إلى عدم التعامل بـ "التورق" إلى حين إعادة النظر في صيغة تمويل المنتج

جدد باحثون مختصون في الصيرفة الإسلامية مطالبتهم بضرورة إعادة النظر في صيغة تمويل منتج التورق، بالنظر إلى أن المنتج تدور حوله "شبهات" كبيرة، "وأن تلك الصيغة إن لم تكن محرمة فهي مكروهة ومذمومة"، ناصحين بعدم التعامل فيها ضمن نطاق تسهيلات المصارف الإسلامية.
وفي الوقت الذي أقّر فيه باحثون بارزون بوجود خلافات وعدم وضوح في الرؤى حول بعض أنشطة المصارف الإسلامية بخصوص الصكوك والسندات وهيئات المراقبة والمتابعة، طالب البعض منهم تلك المصارف في الفترة المقبلة بالتغلب على بعض المشكلات الناجمة من حداثة النشأة ومحدودية الخبرة والخلط في بعض الممارسات والأدوات بينها وبين البنوك التقليدية.
واعتبر الباحثون في كتاب دشنه مركز البحرين للدراسات والبحوث أخيراً تحت عنوان " البنوك الإسلامية .. النظرية والتطبيق والآفاق المستقبلية" بمشاركة نخبة من أساتذة الشريعة والاقتصاد، أن البنوك الإسلامية لا تزال تعاني بعض المشكلات، من بينها كيفية التعامل مع مقررات لجنة بازل 2،1 للرقابة المصرفية وتوحيد المعايير الشرعية وتعزيز عمليات الشفافية والحوكمة وإدارة المخاطر والمحاسبة وثقافة المدخرين، داعين لولوجها مجالات الإنتاج الصناعي والتكنولوجي والمعرفي وليس الاقتصار فقط على العقارات والمضاربة بها كما هو في معظم الأحوال حتى الآن.
وقال الدكتور محمد بن جاسم الغتم رئيس مجلس الأمناء لمركز البحرين للدراسات والبحوث " إنه لا شك في أن ثمة خلافات وعدم وضوح في الرؤى حول بعض أنشطة المصارف الإسلامية بخصوص الصكوك والسندات وهيئات المراقبة والمتابعة، وأيضا حول تأثير دخول البنوك التقليدية في نشاط المصارف الإسلامية من خلال إنشاء فروع أو وحدات يطلق عليها تعبير "إسلامي"، معتبرا أن هذا التوجه يستهدف استقطاب الأموال العربية الضخمة، وكسب الزبائن الذين يعتنقون العقيدة الإسلامية خاصة في أوروبا وأمريكا وآسيا ويبحثون عن فرص استثمارية تتماشى مع مفاهيم الشريعة الإسلامية بعيدا عن مفهوم الربا.
ولفت الغتم إلى أن تجمع مصارف ومؤسسات التمويل الإسلامي أصبح يحتل مكانة متزايدة ليس في اقتصاد البحرين فحسب بل على المستوى العالمي، مؤكدا أن هذا الأمر يحتاج إلى مزيد من التعريف لفهم طبيعة تلك البنوك ومناهجها وأدواتها المالية وكيفية ممارساتها أنشطتها تجنبا لسوء الفهم واللغط الذي يتردد بين الحين والآخر.
وبحسب تقرير" أكسفورد بزنس جروب " لعام 2008، تضم البحرين أكبر تجمع للبنوك والمصارف الإسلامية، بواقع 29 مصرفا يبلغ إجمالي موجوداتها 16.8 مليار دولار مقارنة بإجمالي 2.5 مليار دولار عام 2002، في حين رأى التقرير أن حجم صناعة التمويل الإسلامي يبلغ حاليا على المستوى العالمي 500 مليار دولار.
من جانبه, تمنى الدكتور محمد نعمان جلال الذي أشرف على تحرير الكتاب، البنوك الإسلامية في الفترة المقبلة التغلب على بعض المشكلات الناجمة من حداثة النشأة ومحدودية الخبرة والخلط في بعض الممارسات والأدوات بينها وبين البنوك التقليدية.
ولخص بعض تلك المشكلات في كيفية التعامل مع مقررات لجنة بازل 2،1 للرقابة المصرفية وتوحيد المعايير الشرعية وتعزيز عمليات الشفافية والحوكمة وإدارة المخاطر والمحاسبة، وتحويل الاقتصاد الإسلامي إلى "منتج " وليس "مضاربة " تمهيدا لتراكم الثروات الحقيقية.
ولاحظ نعمان أن الصيرفة الإسلامية مجال مستحدث لا تزال موضع نقاش، وربما تشهد بعض الخلاف، حول بعض أدواتها خاصة عند تبنيها أدوات مصرفية تستخدم من قبل البنوك التقليدية، مشيراً إلى أن أحدثها مسألة بطاقات الائتمان أو بطاقات الحسم الآجل Charge Card، إلى جانب وجود عدة صور للتورق والمرابحة، على الرغم من أن هذين المفهومين قديمين، إلا أنه يجب على بعض الهيئات الشرعية التوسع في كيفية تطبيقهما على حد قوله.
وقال نعمان إن البنوك الإسلامية تواجه عدة تحديات بينها كيفية أدائها مهامها، وعلاقاتها بالبنوك المركزية التي تتولى إصدار التراخيص والإشراف عليها، وثقافة المدخرين، والمنافسة مع البنوك التقليدية.
وأكد جلال أن الصيرفة الإسلامية حظيت باهتمام متزايد على المستوى العالمي خاصة منذ بداية القرن الـ 21 نتيجة للطفرة النفطية الثالثة وتراكم الأموال لدى الدول النفطية وسعي الدول الأخرى إلى اجتذاب هذه الأموال وتدويرها واستغلالها في عمليات الاستثمار الاقتصادي العالمي في الدول الإسلامية وغيرها على حد سواء، معتبرا أنه رغم أي تساؤلات فإن انتشار المصارف الإسلامية أصبح ظاهرة تتعزز يوما بعد يوم وتزداد الثقة بتعاملاتها على المستوى الدولي.
وقال الدكتور عبد اللطيف آل محمود وهو عضو للرقابة الشرعية في عدة مصارف إسلامية، إن البنوك التقليدية تستطيع أن تتعامل في أضعاف مضاعفة من أموال المساهمين والمودعين قد تصل إلى عشرة أضعاف مجموعها، ما يجعل الملاءة المالية لها في الحالة تصل إلى العشر، ملاحظا أن المصارف الإسلامية لا تتعامل إلا بمقدار ما لديها من أموال للمودعين والمساهمين، "ولذلك فإن ملاءتها المالية دائما أفضل مقارنة بالتقليدية".
وفي معرض بحثه، اعتبر الدكتور عبد الستار إبراهيم الهيتي, وهو أستاذ في جامعة البحرين، أن التورق صيغة تمويل فيها "شبهة كبيرة"، وهي إن لم تكن محرمة فهي مكروهة ومذمومة، ناصحا بعدم التعامل فيها ضمن تسهيلات المصارف الإسلامية.
وبرر ذلك بقوله "إنها مما يشملها النهي عن بيع العينة، باعتبار أن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، وليس للألفاظ والمباني، اعتمادا على قاعدة سد الذرائع"، معتبرا هذه الصيغة من التمويل "ربما تكون وسيلة للربا المحرم، ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه".

الأكثر قراءة