86.7 % حصة العوامل الخارجية من التضخم في السعودية و13.3 % للعوامل الداخلية عام 2008

 86.7 % حصة العوامل الخارجية من التضخم في السعودية و13.3 % للعوامل الداخلية عام 2008

أخذ الحديث عن توالي ارتفاع أسعار السلع والمواد فيما يعرف اقتصاديا بمصطلح التضخم يطغى على أي حديث آخر في دول العالم والمنطقة كافة، ومن بينها السعودية.
ولعل موضوع التضخم في السعودية قد أخذ حيزا متميزا من اهتمام جميع المعنيين من صناع القرار والخبراء وعامة الناس, نظرا لتحقيق معدلات التضخم معدلات لم تشهدها المملكة منذ عقود طويلة خلت. ولعل أهم الأسئلة المطروحة بهذا الشأن كانت وما زالت حول قدرة المملكة بما يتوافر لديها من أدوات السياسة النقدية والمالية والتجارية على السيطرة على التضخم وكبح جماحه للحد من آثاره السلبية على الاقتصاد السعودي عموما وعلى المقدرة الشرائية للمواطنين ومستواهم المعيشي خصوصا. أم أن معدلات التضخم العالية هي نتيجة لعوامل غير داخلية خارجة عن السيطرة وبالتالي لا مجال للسيطرة على مسبباته وكبح جماحه، ولا سبيل إلا التعايش مع الأسعار المرتفعة ومعالجة النتائج المترتبة عليها اقتصاديا واجتماعيا.

دوما كنت دائما من القائلين إن معدلات التضخم في المنطقة عموما، والمملكة خصوصا، هي نتاج عوامل خارجية يصعب التحكم والسيطرة عليها بدرجة أكبر من العوامل الداخلية التي يسهل التحكم فيها وتوجيهها نحو الأهداف المبتغاة والمرسومة. ومن أهم العوامل الخارجية هنا الارتفاع الهائل في أسعار السلع الأولية عالميا, ومن بينها السلع الغذائية نتيجة التقلبات المناخية وتوجه الدول نحو تشجيع صناعة الوقود الأحيائي والطلب المتنامي على هذه السلع من قبل الصين والهند وغيرها من العوامل غير القابلة للسيطرة أو الضبط. وبالتالي فإن المملكة كغيرها من دول المنطقة ليس لها مقدرة على توظيف أدوات السياسة الاقتصادية المحلية لمعالجة أسباب التضخم بما فيها سياسة فك ارتباط سعر صرف الريال بالدولار الذي تعالت أصوات العديد من الخبراء والمهتمين بانتهاج هذه السياسة للحد من توالي ارتفاع الأسعار في المملكة.
من ناحية أخرى، إذا كانت مقدرة أدوات السياسة الاقتصادية المتاحة غير قادرة على معالجة أسباب ارتفاع الأسعار، إلا أنه يمكن استخدام هذه
الأدوات بشكل أكبر وفاعل في معالجة النتائج الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن التضخم والمتمثلة بشكل أساسي في تدهور القوة الشرائية وتراجع المستوى المعيشي للموطنين، وتآكل المقدرة التنافسية للصناعات المحلية, فضلا عما يفرزه من مصادر قلق اجتماعي لدى شريحة واسعة وعريضة من المواطنين. ومن أهم السياسات نذكر هنا تقديم الدعم لعدد من السلع الأساسية الغذائية وغير الغذائية، وتقديم الحوافز المباشرة وغير المباشرة للإنتاج، وزيادة دخول الموظفين وغيرها من السياسات الأخرى التي لا مجال لحصرها في هذا المقام، وهذه الأمور مقدور عليها بفعل تراكم الإيرادات المالية النفطية التي تمكن المملكة من اتباع مثل هذه السياسات دون تأثيرات سلبية كبيرة في المديين القصير والمتوسط.

أبعاد ظاهرة التضخم في السعودية
ولمحاولة التأكيد على صحة ما ذهبت إليه أعلاه أو نفيه كان لا بد من استخدام الإحصاءات المتعلقة بالتضخم في هذا الشأن. حيث تشير الأرقام إلى أن التضخم في السعودية قد بدأ في الظهور بشكل لافت ومقلق منذ بداية عام 2007 بعد أن كانت معدلاته خلال السنوات التي سبقت منخفضة نسبيا وتحت السيطرة, وهذا ما يبينه الجدول رقم (1).

إن النتائج المستخلصة من الجدول السابق كثيرة ومعبرة أهمها:
1- ارتفاع التضخم خلال الفترة بين أيار (مايو) 2007 و2008 إلى مستوى يزيد بأكثر من عشرة أضعاف على مستوى التضخم خلال الفترة 2002 و2006، وهو الأمر الذي شكل صدمة اقتصادية حقيقية بكل ما
تحمل كلمة صدمة من معنى بالنسبة لصناع القرار وللمواطنين العاديين سواء بسواء. وقد أخذ الجميع بهذا الارتفاع الكبير خاصة المواطن العادي الذي أربكه ارتفاع غير المتوقع والكبير وأثر في ميزانيته.
2- إن أسعار الإيجارات ومن ثم المواد الغذائية والأطعمة كانت الأكثر ارتفاعا من بين مكونات سلة المستهلك في المملكة, حيث بلغت بالنسبة للإيجارات نحو 22 في المائة خلال آخر سنة، فيما بلغت أكثر من 15 في المائة بالنسبة للأطعمة والمشروبات... وهما المكونان الرئيسان لمعيشة الإنسان العادي في أي مكان وأي زمان.

أسباب التضخم الخارجية والداخلية
كان لا بد لمحاولة الفصل بين العوامل الداخلية والخارجية في ظاهرة التضخم في المملكة أن يتم الاستعانة بالرقم القياسي لأسعار الجملة الذي يعد أكثر الإحصاءات المتوافرة تعبيرا عن طبيعة التأثيرات الخارجية في ارتفاع الأسعار المحلية التي يواجهها تجار الجملة في المملكة، ( يعد الرقم القياسي لأسعار المستوردات أفضل لهذا الغرض لكن نظرا لعدم توافره تم استخدام الرقم القياسي لأسعار الجملة). ويبين الجدول التالي معدلات ارتفاع أسعار الجملة بالنسبة لبعض المواد والسلع, كما يظهر في الجدول (2).

بصفة عامة يمكن الاستنتاج من الجدول السابق أن معدلات ارتفاع الرقم القياسي لأسعار الجملة في المملكة كانت أقل من ارتفاع الرقم القياسي لأسعار المستهلك (التضخم المحلي). وفي اعتقادي أن الفرق بينهما يعبر عن تأثير العوامل الداخلية في ارتفاع الأسعار. ونظرا لاختلاف المكونات
السلعية للرقمين وتقاطعهما في مجموعة سلعية واحدة هي المواد الغذائية والأطعمة، سوف يتم احتساب درجة تأثير كل من العوامل الداخلية والخارجية في ارتفاع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك (التضخم) وبالنسبة للمواد الغذائية كما هو مبين في الجدولين (3) و(4).

إن نتائج عملية التقدير المدرجة في الجدول السابق بلا شك تشير إلى الحقائق التالية:

1 - إن درجة تأثير العوامل الداخلية على ارتفاع الأسعار قد ازداد خلال العام الأخير بشكل كبير عن الفترة الماضية لكن تأثيرها بكل تأكيد ما زال أقل من درجة تأثير العوامل الخارجية التي أسهمت بنسبة 87 في المائة في ارتفاع معدلات الأسعار في الأسواق السعودية بشكل عام وبنسبة 61 في المائة تقريبا بالنسبة للمواد الغذائية.
2 - النتيجة المعبرة الأخرى لما ورد في الجدولين السابقين هي أنه في الأوقات التضخمية تزداد درجة تأثير العوامل الخارجية على ارتفاع الأسعار فيما تقل هذه الدرجة في الأوقات غير التضخمية.
إن النتائج السابقة على الرغم من دلالاتها فيما يتعلق بمقدرة السياسات الاقتصادية والأدوات الاقتصادية على معالجة الأسباب الهيكلية للتضخم، يجب ألا تفهم في سياق التقرير الاستسلام للتضخم كواقع محتوم لا انفكاك من معالجة أسبابه. فالنتيجة السابقة تبقى صحيحة في المدى القصير فقط، وفي أفضل الأحوال في المدى المتوسط. أما في المدى الطويل فإن المجال مازال قائما لمعالجة الأسباب الهيكلية للتضخم في المملكة وفي بقية دول المنطقة، وفي اعتقادي أن قدرة المملكة أكبر من غيرها من دول المنطقة في معالجة الأسباب الهيكلية للتضخم في المدى الطويل بسبب تراكم الإيرادات النفطية التي يجب توظيفها في إطار استراتيجية تسعى إلى تنويع بنية الاقتصاد السعودي، ودعم وتشجيع الاستثمار الزراعي والصناعي محليا وخارجيا، وإجراء مزيد من الإصلاحات الاقتصادية الرامية إلى دعم دور القطاع الخاص من خلال المضي في سياسات التخصيص وتقليل العوائق القانونية والإجرائية التي تحول دون الوصول بمستوى مساهمة هذا القطاع في مسيرة التنمية إلى المستويات المأمولة والمرجوة.
كما أن هناك ضرورة للاستمرار في تبني السياسات الرامية إلى معالجة النتائج الاقتصادية والاجتماعية للتضخم من خلال ترشيد سياسات الدعم ليتم توجيهها إلى مستحقيه من المستهلكين ذوي الدخول المحدودة، والتوسع في إنشاء الجمعيات التعاونية الاستهلاكية، ومراقبة الأسعار لمنع التجاوزات غير المبررة التي قد تحدث في بعض الأحيان من قبل فئة قليلة من التجار، وغيرها من السياسات الأخرى التي سنسعى إلى تفصيلها في دراسة لاحقه بإذن الله تعالى.

[email protected]

الأكثر قراءة