لجان فض منازعات التأمين واللجان شبه القضائية...كيف تكون المقارنة؟

لجان فض منازعات التأمين واللجان شبه القضائية...كيف تكون المقارنة؟

من المعروف أن قضاء اللجان في المملكة لا يقل أهمية عن قضاء المحاكم أو الديوان، حيث أإن اللجان شبه القضائية في السعودية مارست دورا مهماً في ترسيخ مفهوم القضاء النوعي، والذي يعد تجربة متميزة خلقتها ظروف معينة، إلا أن هذه التجربة والحق يقال أتاحت الفرصة للمتخصصين القانونيين ليمارسوا أعمالا شبه قضائية من خلال هذه اللجان، وقد كان نجاح هذه اللجان مرتبطا في المقام الأول بالتشكيل الذي تكون عليه هذه اللجنة أو تلك، لاسيما أنه لا توجد معايير واضحة ومحددة لاختيار الأعضاء، فالأنظمة التي تصدر في أمر ما ويتقرر بموجبها إنشاء لجنة من اللجان فهي في الغالب تضع نصا عاما يدل على تشكيل هذه اللجنة دون شروط محددة، فالنص الذي لا يخلو منه في الغالب نظام لدينا يقضي بتشكيل لجنة من ثلاثة أعضاء من ذوي الاختصاص، وأحيانا من ذوي الخبرة، على أن يكون أحدهم على الأقل مستشارا نظاميا، ويترك النظام في الغالب اقتراح من يشغل عضوية هذه اللجنة للجهة الحكومية التي تشرف على النشاط التي تباشر فيه اللجنة اختصاصاتها.
ولو طبقنا هذا الكلام على لجان فض منازعات التأمين التي جاء بها نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني لوجدنا أن الأمر لا يخرج عما ذكرته في مستهل هذا المقال، فالمادة الـ 20 من نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني تنص على أنه: (تشكل لجنة أو أكثر بقرار مجلس الوزراء بناءً على توصية من وزير المالية من ثلاثة أعضاء من ذوي الاختصاص يكون أحدهـم على الأقل مستشاراً نظامياً تتولى الفصل في المنازعات التي تقع بين شركات التأمين وعملائها ..)، هذا النص واضح من حيث طريقة التشكيل ولذلك فاقتراح من يشغل عضوية هذه اللجان يكون على شكل توصية من وزير المالية تُرفع إلى مجلس الوزراء لاعتماد أسماء الأعضاء المقترحة بهذه التوصية.
وإذا عدنا مرة أخرى إلى الحديث عن اللجان شبه القضائية ومنها بالطبع لجان فض منازعات التأمين، فإن أداء هذه اللجان يرتبط كما ذكرت بنوعية الأعضاء الذين يشغلونها، فهناك لجان دون أن أسميها، والحق يقال، نتمنى أن تُكتب قراراتها بماء الذهب، لأن هذه القرارات تشكل نموذجاً رائعاً نفخر بتدريسه لطلابنا المتخصصين في القانون ونتغنى، إن صح التعبير، بالمبادئ القانونية التي أقرتها هذه اللجان ونقارنها بأهم المبادئ القانونية العالمية التي استقر عليها العمل عالميا، هذا إضافة إلى أن عمل هذه اللجان قد أثبت أن قواعد الشريعة الإسلامية يمكن لها خلق مبادئ عالمية في هذا الشأن واستطاعت هذه اللجان أن تقوم بعمل رائع للاجتهاد بفهومه الشرعي وإحياء كثير من القواعد الشرعية من خلال إيجاد تناغم جميل بينها وبين القواعد النظامية التي تحكم بها هذه اللجان.
وفي المقابل فهناك قرارات للجان أخرى ودون أن أذكر أسمها نجد أنها لا تمت بأي صلة لأي منطق قانوني أو شرعي أو حتى للمبادئ العامة في التقاضي باعتبارها لجانا شبه قضائية فعملها أشبه ما يكون بعمل مكتب إداري في دائرة حكومية يحيط به الروتين الإداري من كل جانب.
ما يهمنا في هذا المقام هو تقييم عمل لجان فض منازعات التأمين، وذلك من خلال المراحل التي مرت بها هذه اللجان. وأنا أتحدث عن لجان التأمين بالذات لأن التأمين وقضاء التأمين له خصوصية قانونية لا يدركها إلا من عمل بالتأمين وسبر أغواره، هذا إضافة إلى أن عمل هذه اللجان سيكون في غاية الأهمية، ذلك أن التأمين في المملكة يعيش طفرة ومقبل على طفرة كبيرة أيضاً، وهذا سيجعل من قرارات هذه اللجان هاجسا لكل معني بالتأمين، والمعنيون بالتأمين هم الآن عامة الناس، حيث إن التأمين لم يعد حكرا على التاجر أو نخبة معينة من الناس. للحديث بقية.

أكاديمي وباحث في مجال التأمين
[email protected]

الأكثر قراءة