(أوبك) ومزيد من التحديات
لخص وزير النفط النيجيري أودين أغوموغوبيا وضع السوق النفطية بقوله "إننا نمر بمرحلة يصعب التكهن بنتائجها". ولا يحتاج المراقب أن يكون خبيرا في الشؤون النفطية ليرى مدى الحيرة التي أشار إليها وستواجه منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) عند اجتماعها في التاسع من الشهر المقبل في فيينا.
فالأسعار التي تصاعدت في غضون سنة بنسبة 100 في المائة متجاوزة 147 دولارا للبرميل الشهر الماضي، اتخذت لها منحى تنازليا يخشى البعض أن يعكس تلك الطفرة وبالتالي تتراجع الأسعار بالسرعة ذاتها التي قفزت بها. ومن المؤشرات على ذلك أن حدثا مثل الذي يجري في منطقة القوقاز لم يدفع سعر البرميل إلى ارتفاعات جديدة كما كان هو الوضع قبل بضعة أسابيع. فهناك دولة نفطية هي روسيا، تعتبر في واقع الأمر ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم، والنزاع غطى على ممر لصادرات النفط والغاز خاصة تلك المنقولة من منطقة الاحتياطيات المقفولة في بحر قزوين، وبكل ما لذلك من انعكاسات على الوضع الجيوستراتيجي للعلاقات الدولية مع تلك المنطقة، فروسيا تريد سيطرة وتأثيرا ومشاركة في الطاقة المنتجة من تلك المنطقة قبل أن تصل إلى الأسواق العالمية. والدول الغربية تريد حرمانها من ذلك التأثير.
ومع أهمية هذا العامل مضافا إليه ما يجري في نيجيريا والأزمة المستمرة بخصوص الملف النووي الإيراني، إلا أن أسعار النفط ظلت تتأرجح وفي اتجاه تنازلي خلال الفترة السابقة، وهو ما يضع (أوبك) أمام خيارات صعبة فيما ينبغي أن تتخذه من سياسات تجاه الإنتاج في اجتماعها المقبل خاصة مع تنامي المؤشرات على حدوث متغيرات في السوق. وعلى رأس هذه المتغيرات أن الطلب في السوق الأمريكية ودول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي عموما في حال تراجع، أبرز وجوهه أن اليابان ثاني أكبر مستهلك تتوقع تراجعا اقتصاديا وبالتالي في استهلاكها النفطي، كما أن الأسعار العالية خلال الفترة السابقة بدأت تفعل فعلها وتكاد تكون القناعة السائدة أن التوقعات الخاصة بالاستهلاك ستشهد بنهاية العام تراجعا بنحو نصف مليون برميل يوميا مما كانت عليه في بداية السنة.
على أن الأهم من ذلك التحسن في وضع الطاقة الإنتاجية الفائضة التي تصاعدت من فوق مليون برميل يوميا، تتركز في السعودية إلى 1.8 مليونا في الوقت الحالي ويتوقع لها أن تقفز إلى نحو 3 ملايين برميل في الربيع المقبل. ويعني هذا إزالة هم كبير يتعلق بضمان الإمدادات إذا حدث انقطاع لسبب ما من إحدى الدول المنتجة خاصة مع تنامي عمليات التوتر السياسي والأمني في دول منتجة رئيسية.
الموقف الذي تواجهه (أوبك) ليس جديدا. فهي مرت بمثل هذه المواقف مرات عديدة خلال مسيرتها الطويلة، وفي تراثها ما يمكنها من التعامل مع ما يجري ولو من باب استعادة الدروس والعبر. فعلى الرغم من الحديث عن الاستراتيجيات والخطط، إلا أن للواقع حكمه، وهو ما يظهر في أن المنظمة لم تعتمد لها سعرا ولو بصورة استرشادية يضبط تحركاتها خاصة فيما يتعلق بمعدلات الإنتاج، ولهذا تبدو تحركات المنظمة وكأنها رد فعل لما يجري في السوق أكثر منها اتخاذا لزمام المبادرة ومن ثم التأثير في مسار الأسعار.
وإذا كان مثل هذا الموقف محتملا في فترات استقرار سعر البرميل النسبية أو تصاعدها كما كان هو الوضع خلال العامين الماضيين، إلا أنه عندما تتخذ الأسعار منحى تنازليا، فإن الوضع يتطلب تحركا مختلفا وخارج الإطار التقليدي للحركة.
وخلال السنوات الماضية وإبان أوضاع مماثلة تصرفت (أوبك) بصورة غير تقليدية. ويمكن الإشارة إلى تجربتين أولاهما لم تكن ناجحة تماما، وهي التي أعقبت حرب الأسعار في منتصف عقد الثمانينيات عندما بدأت اتصالات مع المنتجين من خارج (أوبك) للتعاون في خفض الإنتاج ومن ثم دعم الأسعار. أما التجربة الثانية الأكثر نجاحا فهو ما شهده مطلع العقد الماضي عندما برزت قيادة ثلاثية للسوق من السعودية وفنزويلا و المكسيك لدعم توجهات تعاون المنتجين من داخل المنظمة وخارجها لضبط السوق ودعم الأسعار، وهي تجربة أثبتت نجاحها خاصة مع حركتها السريعة والتجاوب الذي لقيته من مختلف المنتجين.
هناك حاجة في الوقت الحالي لتوثيق تعاون (أوبك) مع روسيا التي تحتل مكانة محورية في السوق النفطية، وهي مكانة مرشحة لاكتساب أبعاد إضافية كون روسيا تسعى إلى استخدام العامل النفطي وسيلة لاستعادة مكانها لاعبا رئيسا على الساحة الدولية.
لكن خطوة مثل هذه ستكون مواجهة بتحدي كيفية ابتعاد (أوبك) عن التوظيف السياسي للنفط الذي تسعى إليه روسيا وتستنكف عنه المنظمة، وهو تحد يضاف إلى جملة من التحديات يفاقم منها حالة التغيرات الهيكلية التي تمر بها السوق النفطية والعلاقات الدولية في وقت واحد.