رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


التواضع وحديث الثلاثة

لم يكن التواضع إلا رفعة في الشأن، ولم يكن لين الجانب إلا سمة تميز صاحبها، وكم كان الأولون أكثر حذقا وأكثر معرفة بحال الرجال منا في الوقت الحاضر الذي تلاطمت فيه أمواج الحياة، وأصبح اللئيم أكثر خبثا وأعلى صوتا من آخرين صنعوا لأنفسهم السمعة الطيبة، وسعُد بمعرفتهم عشرات الناس، هكذا هي الحياة ترفع شأن من لا يستحق في زمن تنكست فيه الفطر، وقل فيه الصديق الصدوق وكثر من يحشرون أنوفهم في كل شيء، فالساحة تتسع للكثير ولكن الرضا هو عن القليل، فمعادن الرجال تتغير، والبحث عن الأمجاد الشخصية يتسابق عليها الطالح وخائب الرجاء. فقد بسطت الدنيا ذراعيها لكل مهرول بالطريقة التي يرتاح لها، ومصائب قوم عند قوم فوائد، وهكذا تدور عجلة الزمن تسابق الطير وتفتح صفحات أكثر إيلاما وأكثر وقعا على النفس في زمن الانكسار وخفوت الصوت الصادق، واقتناص أنصاف الفرص لمن يقتنصها بأي طريقة دون مبدأ واضح، ولا أسلوب ناجح، ومما يؤلم ويثير التساؤل أن ترى نماذج ليس لها مبدأ, خصوصا في أوساط الدعوة والدعاة, فذاك داعية اسما يفترض أن يكون سمته التواضع لكنه في الواقع لا يحمل من هذه الصفة شيئا، الصور لهذا المسمى كثيرة يراها الصغير قبل الكبير وتثير كثيرا في الأنفس بل إنها تجعل التجاوب والحرص على الحضور أقل رغبة لدى الناس، أحدهم يلقي المحاضرات ويتصارع مع الآخرين على شريط المحاضرة ببيعه، وقد وقعت له مشكلة مع صاحب مؤسسة للإنتاج الإسلامي أخذت حيزا كبيرا من وقتهما من أجل الاختلاف على المقسوم، إنه من الذين لهم بدايات جميلة في دعوته، برع واعظا وأصبح قاصا، وهكذا القصص تولد لنا دعاة لا يجيدون سواها. الصراحة مهمة, خصوصا إذا تعلق الأمر بالتواضع ولين الجانب الذي أصبح مسماه حبرا على ورق، ونموذج آخر لداعية كان لا يرى الصورة ولا يرى الصحافة وكان يزعد ويرعد حولها والآن هو كثير الترزز بها وكان في ذاك بعيدا في تعامله عن التواضع المطلوب وما زال، وثالث يملك صوتا جميلا يهفو إليه المصلون من كل مكان كان يلاحق صحفا يريد أن يستأثر بشيء من الشهرة في وسائل الإعلام ثم ما لبث بعد أن ظهر في الصحافة أن يطلب وسيلة أخرى يتخير بين وسائل إعلام أخرى إسلامية يريد أن يحظى بمزيد بروز على أعتاب شهر رمضان، أخذ منه الغرور مأخذه يدعي التواضع وعدم الحرص على الشهرة ولسان حاله يقول أريد أن أظهر بثوب النشط في العمل الدعوي، ونهاية ذلك أن هؤلاء أصبح بعضهم صوته غير مؤثر حتى النساء يتحدثن عن أمثالهن ويصفنهن بالغرور، وهذا مع الأسف الشديد مشكلة حطمت كثيرا من الداعيات وقضت على تفردهن بالتواضع الزائف وكشف القناع عن صورهن التي لا تمثل الدعوة في شيء. وكم من أمثالهم يوجد في وسط الدعاة، وكنت أمني نفسي أن يكون تواضعهم أمرا ملموسا لأنني أعرفهم جيدا، كنت أتمنى أن يكونوا كالعلماء الكبار الذين ظهرت قصص تواضعهم بعد مغادرتهم هذه الحياة وهم في عصر غير العصور الماضية ومع ذلك هم من بقية السلف كالعلامة الشيخ عبد العزيز بن باز والعلامة الشيخ محمد العثيمين وغيرهما ـ رحمهم الله رحمة واسعة، ولم أكن حقيقة أود الحديث عن مثلهم ولكن ما يشاهد عليهم مؤلم جدا، فهم ماكثون على أسلوبهم، وقد تمر السنوات وهم قابعون على الفعل ذاته ولم يستفيدوا من دعوتهم لإفادة أمتهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي