تباين حاد في المزاج العام .. إيجابي في أمريكا وقاتم في منطقة اليورو
احتفظ الدولار بنغمته القوية يوم الإثنين في الوقت الذي عمل فيه الحذر حول آفاق الاقتصاد العالمي على تعزيز جاذبية العملة الأمريكية, وساعد أسعار النفط على عدم الاكتراث بالمخاوف حول النزاع بين روسيا وجورجيا.
في أسواق العملات لامس الدولار أعلى مستوى له منذ ستة أشهر في مقابل اليورو وأعلى مستوى له منذ 21 شهراً في مقابل الجنيه الاسترليني، رغم أنه تراجع عن مستوياته المرتفعة مع تقدم جلسة التداول.
في الأسبوع الماضي عانى اليورو أكبر هبوط أسبوعي له في التاريخ في مقابل الدولار بعد أن أقرّ جان كلود تريشيه رئيس البنك المركزي الأوروبي بالمخاطر التي تتهدد النمو الاقتصادي في منطقة اليورو، ما يعني من الناحية العملية استبعاد القيام بالمزيد من تخفيض أسعار الفائدة في منطقة اليورو وسحبها من جدول الأعمال.
قال فريق التحليل الاستراتيجي للعملات لدى بنك التجارة Commerzbank: "الذي يحدث في الوقت الحاضر هو إعادة تقييم عامة للآفاق الاقتصادية". "في حين أن بقية العالم يبدو عليها أنها تغرق في بحر من الهبوط الاقتصادي العميق، إلا أن الولايات المتحدة مرة أخرى يبدو عليها أنها قادرة على التمكن من الأزمة على نحو يفوق مقدرة أية جهة أخرى".
لاحَظَ أندرو كيتس، وهو اقتصادي لدى بنك يو بي إس UBS، أن البيانات الأخيرة حول التصنيع في الولايات المتحدة أعطت بصورة عامة مفاجآت إيجابية، وهو أمر يناقض بشكل صارخ ما حدث في أوروبا. وقال: "على هذه الخلفية فإن من الواضح أن الارتفاع الأخير في قيمة الدولار مقابل اليورو يتمتع بأساس متين".
أكد دويتشه بانك Deutsche Bank عمق المخاوف حول أوروبا, وذلك حين خفض توقعاته حول النمو الاقتصادي لكل من منطقة اليورو وبريطانيا، وقال إنه يرى أن المنطقتين تمران بحالة من الكساد الاقتصادي، أو أنهما ستدخلانها قريباً.
قال الاقتصادي مارك وول: "إن ظروف الطلب خارج أوروبا تشهد حالة من التراجع، ونتوقع أن يعمل هذا على التأثير سلباً في النمو في كل من منطقة اليورو وبريطانيا".
"من الجانب المحلي فإن تراجع أسعار المساكن والانقباض الائتماني، والتراجع عن تمويل الصفقات من خلال الديون الثقيلة، لا بد لها أن يتم امتصاصها من قبل الاقتصاديين. وبالنسبة للمستهلكين فإننا لسنا مقتنعين بأن تراجع أسعار السلع سيكون له وزن يفوق التشدد الائتماني والآثار السلبية للثروة وضعف أسواق العمل".
وبالفعل واصلت السلع تراجعها يوم الإثنين، وفي مقدمتها النفط، الذي هبط إلى أدنى مستوى له منذ 14 أسبوعاً. وفي بورصة نايمكس في نيويورك هبط سعر الخام القياسي، وهو خام غرب تكساس المتوسط، إلى ما دون 114 دولاراً للبرميل، بعد أن قفز لفترة قصيرة إلى 116.90 دولار للبرميل في وقت مبكر من جلسة التداول.
هبط الذهب إلى أدنى مستوى له منذ ثلاثة أشهر ليصل إلى ما دون 850 دولاراً للأونصة، وهبط النحاس إلى أدنى مستوى له منذ ستة أشهر.
لاحَظَ بنك باركليز كابيتال Barclays Capital أنه على الرغم من اشتداد التوتر الجيوبوليتيكي في بعض المناطق، إلا أن المزاج العام في سوق النفط تحول إلى التركيز على المخاوف من الكساد الاقتصادي العالمي.
وقال البنك: "ولكن تراجع الطلب من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD تم التعويض عنه من خلال الاستهلاك النشط في البلدان من خارج منظمة التعاون، وهي صورة تأكدت من البيانات التجارية الصينية الابتدائية".
"بالمعدل السنوي خلال الفترة نفسها من سنة إلى سنة، ارتفعت الواردات الصينية من منتجات النفط، باستثناء غاز البترول المسال، بمقدار 16.7 في المائة".
ساعد الهبوط المتجدد في أسعار النفط على إعطاء مساندة قوية لأسواق الأسهم. بحلول منتصف اليوم في نيويورك ارتفع مؤشر ستاندارد آند بورز 500 بمقدار 0.8 في المائة، في أعقاب ارتفاع بنسبة 2.9 في المائة في الأسبوع الماضي، وهو أفضل أداء لهذا المؤشر منذ نيسان (أبريل).
كذلك ارتفع مؤشر فاينانشيال تايمز يوروفيرست 300 لعموم أوروبا بمقدار 1.2 في المائة ليصل إلى أعلى مستوى له منذ ستة أسابيع، على اعتبار أن شركات التصدير استفادت من تراجع اليورو.
من جانب آخر, كانت هناك أيضاً مكاسب قوية في معظم بلدان آسيا. في طوكيو قفز مؤشر نيكاي 225 بمقدار 2 في المائة ليصل إلى أعلى مستوى له منذ ثلاثة أسابيع، وارتفع مؤشر سيؤول بمقدار 0.8 في المائة، وكسب مؤشر تايبيه 1.6 في المائة.
ولكن لم تتمتع السوق الصينية بفترة لالتقاط الأنفاس فقد هوى مؤشر شنغهاي المركب بمقدار 5.2 في المائة ليسجل مستوى قياسياً متدنياً جديداً هو الأدنى منذ 19 شهراً، في الوقت الذي أشعلت فيه بيانات التضخم القوية المخاوف حول آفاق الاقتصاد الصيني.
سجلت الأسهم الروسية عودة متواضعة إلى المكاسب، واستقر سعر الروبل وسط توقعات بأن النزاع العسكري مع جورجيا يمكن أن تتم تسويته بصورة سريعة.
استعاد مؤشر آر تي إس RTS خسارة الـ 5 في المائة التي سجلها في وقت مبكر من جلسة التداول ليقفل بارتفاع مقداره 1.2 في المائة. وتوسع الفرق بين أسعار السندات الحكومية الجورجية، التي يقع تاريخ استحقاقها عام 2013، وأسعار سندات الخزانة الأمريكية ليصل إلى 650 نقطة أساس. يُذكَر أن وكالات التقييم الائتماني خفضت تقييم جورجيا بعد بدء العمليات العسكرية.
عملت النغمة القوية في أسواق الأسهم وتراجع أسعار النفط على إرسال المستثمرين بعيداً عن السندات الحكومية الأمريكية.
ارتفع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات بمقدار تسع نقاط أساس ليصل إلى 4.02 في المائة، في حين أن العائد على السندات لأجل سنتين ارتفع بمقدار ست نقاط أساس ليصل إلى 2.56 في المائة.
في أوروبا، ارتفع العائد على السندات الحكومية الألمانية لأجل عشر سنوات بمقدار متواضع هو نقطتا أساس ليصل إلى 4.27 في المائة. ولكن العائد على السندات الحكومية اليابانية هبط بمقدار نقطتي أساس ليصل إلى 1.45 في المائة، وهو أدنى مستوى له منذ أربعة أشهر، في الوقت الذي طغت فيه المخاوف حول النمو الاقتصادي على تقدم مؤشر نيكاي.