الرشوة خطر يهدد المجتمع والإحصائيات تحذر من تزايدها

الرشوة خطر يهدد المجتمع والإحصائيات تحذر من تزايدها

يسمونها بغير اسمها، هكذا هي الرشوة التي نشرت عنها وزارة الداخلية تقريرا أخيرا يبين حالات الرشوة التي وقعت، وهي جريمة تتكرر بين بعض الناس ضعاف النفوس الذين لايراقبون الله في كل خطوة يخطونها في حياتهم .. يا ترى ما الذي يدعو بعض الناس للوقوع فيها، وأكل المال المحرم واتخاذها وسيلة في تعاملاته, لماذا لا يكون الوازع الديني رادعا لهم؟ وهل يحققون السعادة بهذا الفعل القبيح الذي لا يزيدهم إلا خسارا؟ وماذا يجنون من راء ذلك غير السعاة الوقتية؟ إنها تساؤلات كثيرة ومطروحة وبعض الناس يقول إني لا أستطيع الحصول على حقي إلا من خلال دفع الرشوة فهل علي ذنب في ذلك؟ والمجتمع السعودي المحافظ أسقط في يديه وهو يجد بعض الفئات التي تقع بين الحين والآخر في داء الرشوة الذي تفشى كثيرا في مجتمعنا بصور متعددة, ولا سيما أن هناك فتاوى شرعية واضحة حول حرمة هذا الداء الفتاك.
وحول الرشوة وحرمتها شرعيا يقول فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضوهيئة كبار العلماء, إن أخذ الرشوة من السحت ومن أشد الحرام ومن أخبث المكاسب؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم "لعن الراشي والمرتشي ولعن الرائش" (رواه الإمام أحمد في ‏مسنده) وهو الساعي بينهما - واللعن يقتضي أن الرشوة كبيرة من أعظم كبائر الذنوب وهي من السحت, والله, جل وعلا, قال في اليهود "سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ" (المائدة: 42) قال تعالى "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة‏‏ : 188), وهذه الآية على أحد التفسيرين تعنى بالرشوة وتحذر منها, فالرشوة حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين وهي كبيرة من كبائر الذنوب ومن أكل منها؛ فقد أكل سحتاً واستعمل حرامًا يؤثر في أخلاقه وفي دينه وفي سلوكه. وقد جاء في الحديث أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم " ‏ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام؛ فأنّى يستجاب له" ‏(رواه مسلم في ‏صحيحه) وهذا حديث صحيح بيّن فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن أكل الحرام من الرشوة وغيرها؛ أنه يمنع قبول الدعاء وأن آكل الرشوة أو غيرها من الحرام لا يستجاب له دعاء وهذا خطر عظيم؛ لأن أحدًا لا يستغني عن الله ـ عزّ وجلّ ـ طرفة عين فإذا قطع الصلة بينه وبين الله؛ ورد دعاؤه؛ فما قيمة حياته؟ وأيضًاالرشوة ما فشت في مجتمع؛ إلا وفشا فيه الفساد وفشا فيه الخلل وتشتت القلوب والإخلال بالأمن وضياع الحقوق وإهانة أهل الحق وتقديم أهل الباطل, وهذا يحدث في المجتمع ضررًا بيّنًا؛ فالرشوة من أخبث المكاسب وأثرها في الفرد والمجتمع من أسوأ الآثار, فعلى المسلم أن يتوب إلى الله إذا كان يتعاطى شيئًا من ذلك وعلى من عافاه الله منها أن يسأل الله ـ عز وجل الثبات ـ على الحق وأن يديم عليه العافية؛ فإنها جريمة كبيرة ومعصية ظاهرة وهي غش لولاة الأمور وغش للنفس وغش للمجتمع ويجب على ولاة الأمور أن ينكلوا ويردعوا المرشين والراشين؛ كما لعنهم الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وجب عليه بذل الحق.
من جهته, يقول الشيخ خالد الهميش الداعية الإسلامي إن الرشوة التي أجمع أهل العلم على تحريمها وأنها من السحت وأكل المال بالباطل هي ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل, أما ما يدفعه الإنسان ليدفع به عن نفسه ظلماً أو يتوصل به إلى حق, فلا يحرم على الباذل وإن كان يحرم أخذها على من وجب عليه بذل الحق أو منع الظلم فامتنع من ذلك إلا بمقابل, وهذا ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفعله من إعطاء بعض من كان يسأله ما لا يستحقه فيعطيه العطية يخرج بها يتأبطها ناراً. فإذا لم يستطع الإنسان التوصل لحقه إلا ببذل مال فذلك حلال لمن لاقدرة له على أخذ حقه إلا بتلك الطريقة, حرام على من يأخذها لأنه من أكل أموال الناس بالباطل.
من جانبه, أكد الدكتور قيس بن محمد آل الشيخ مبارك الأستاذ في قسم الدراسات الإسلامية في كلية التربية في جامعة الملك فيصل, أن قدر الرشوة يختلف باختلاف صورها بحيث يتخذ لها صوراً لا تتناهى, وتتنوع طريقة تقديمها وذلك لعدة اعتبارات, مرجعها إلى أحد أمرين: الأول: اعتبارات ترجع إلى صفة الراشي من غنى أو فقر, فما يعطاه الغنيُّ يختلف عما يعطاه الفقير, وما يرضى به الفقير قد لا يرضى به الغني, وكذلك الحاجَةُ, فقد يكون المرتشي في حاجة إلى دواء بعينه أو سلعة بعينها من خارج البلاد, وقد يكون في حاجةٍ إلى تخليص معاملة حكومية أو غير ذلك, فيكون نفعها له كبيراً جداً, وإن لم تكن كذلك في حقيقتها.
الآخر: اعتبارات ترجع إلى صفة المهدِي, بالنظر إلى قدرته على توفير مصالح ومنافع بأعيانها, فمن الناس من يكون على منصب أو ولاية تُمَكِّنُهُ من تعطيل مصلحة الآخرين بحيث لا يقدر على إمضائها سواه, وربما لا يُكلِّفه إمضاؤها أكثر من سرعة إتمامها والمبادرة إلى رفعها لِمَن بَعدَه, غير أن قدرته على تعطيل مصلحة الراشي وإن كانت يسيرة عليه غير أن نفعها للراشي يكون نفعاً عظيماً.

صورة من صور المعاوضات
ويقول إنه من أجل ذلك فإنا نجد أن قدر الرشوة اختلف نظراً لاختلاف العوض المقصود من ورائها, ولاختلاف فائدته العائدة للراشي.
فإذا علمنا أن الرشوة تمثل صورة من صور المعاوضات, والتي الأصل فيها أن يتبادل بها الإنسان المنافع مع أخيه, فلا بدّ أن يكون مقدار الرشوة مساوياً في أغلب الأحوال أو مقارباً لقدر المنفعة التي تكون عوضاً عن الرشوة .
وعليه فإن ما يدفع على سبيل الرشوة, مهما تضاءلت قيمته وقلَّت منفعته يعتبر رشوة محرمة, لأنه أكلٌ للمال عبر طريقٍ باطل, أي من غير أن يُقدِّم المرتشي منفعة للمجتمع تخوِّله للحصول على مقابل لها .
وإلى هذا المعنى أشار الحافظ الهيتمي بقوله: (ولا فرق في الرشوة المقتضي أخذها الفسق بين قليل المال وكثيره) ثم نقل عن الأَذْرَعِيِّ قوله: ( وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ رُبُعَ دِينَارٍ وَأَنْ لا )
ويوضح أن مفهوم المال يشمل كل ما كان منتفعاً به من الأعيان أو من المنافع، وذلك أن المنافع هي مناط المالية وهي المقصود الأعظم من سعي الإنسان لتحصيل جميع أنواع الأموال
وما ذكره الحافظ الهيتمي هو ما نص عليه الإمام أبو عبد الله القرطبي بقوله: ( اِتَّفَقَ أَهْل السُّنَّة عَلَى أَنَّ مَنْ أَخَذَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اِسْم مَالٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ, أَنَّهُ يُفَسَّق بِذَلِكَ, وَأَنَّهُ مُحَرَّم عَلَيْهِ أَخْذه. خِلافًا لِبِشْرِ بْن الْمُعْتَمِر وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ الْمُعْتَزِلَة حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ الْمُكَلَّف لَا يُفَسَّق إِلا بِأَخْذِ مِائَتَيْ دِرْهَم وَلَا يُفَسَّق بِدُونِ ذَلِكَ, وَخِلَافًا لابْنِ الْجُبَّائِيّ حَيْثُ قَالَ : إِنَّهُ يُفَسَّق بِأَخْذِ عَشْرَة دَرَاهِم وَلَا يُفَسَّق بِدُونِهَا, وَخِلَافًا لِابْنِ الْهُذَيْل حَيْثُ قَالَ: يُفَسَّق بِأَخْذِ خَمْسَة دَرَاهِم, وَخِلَافًا لِبَعْضِ قَدَرِيَّة الْبَصْرَة حَيْثُ قَالَ: يُفَسَّق بِأَخْذِ دِرْهَم فَمَا فَوْق, وَلَا يُفَسَّق بِمَا دُون ذَلِكَ, وَهَذَا كُلّه مَرْدُود بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّة وَبِاتِّفَاقِ عُلَمَاء الْأُمَّة )
فحكاه اتفاقاً بين أهل السنة والجماعة.
وعليه فلا يحل أخذ قليل الرشوة ولا كثيرها, ذلك أن المعنى الذي لَحَظَتْهُ الشريعة الإسلامية في النهي عن قبول الهدايا والتبرعات - التي سببها الرشوة - هو كسر قلب المرتشي وميله نحو الراشي, وهو معنىً يمكن أن يحصل بقدر يسير من الرشوة كما يمكن أن يحصل بالقدر الكبير منها.

الأكثر قراءة